إبراهيم زيات
على ضفاف البحر الأبيض المتوسط وفي أقصى الجنوب اللبناني تقع مدينة صور التي تجمع على أرضها آثاراً لحضارات تعود إلى آلاف السنين. فالمدينة تحتضن في أماكن متفرقة منها شواهد على حقبات عديدة أبرزها تعود لفترة حكم الإمبراطورية الرومانية وللحضارة الفينيقية.
من شرق المدينة إلى غربها مروراً بسوقها القديم والحارة المسيحية، يشاهد الزوّار عشرات القطع الأثرية التي تحكي عن أصالة المدينة وتاريخها التي أدرجت من قبل منظمة الأنيسكو التابعة للأمم المتحدة عام 1979 على لائحة مواقع التراث العالمي.
لا يحتاج السائح الذي يقصد المدينة قادماً من العاصمة بيروت إلى أكثر من ساعة للوصول إليها، وفيها يستطيع القيام بجولة على العديد من المواقع التاريخية وأخرى سياحية ترفيهية. والمدينة عبارة عن شبه جزيرة تحيطها المياه من ثلاث جهات، لذلك فإن النشاطات البحرية منتشرة بشكل واسع.
إليكم 6 مواقع أثرية وترفيهية يمكنكم زيارها عند قدومكم إلى صور:
1- المدرج الروماني:
يقع عند المدخل الشرقي لمدينة صور، بالقرب من قرية البرج الشمالي، يعود تاريخ إنشائه إلى الحقبة الرومانية التي حكمت المدينة سنة 60 ق.م. يقابل المدرّج ميدان أو ملعب لسباق الخيل الذي تم ترميم بعض أجزائه. ويبلغ طول هذا الميدان 480 متراً وكان يتسع لنحو 20 ألف مشاهد. وللملعب عدة مداخل جانبية، وكانت المداخل تقسم وتوزع حسب الطبقات الإجتماعية فكل طبقة اجتماعية لها المدخل الخاص بها، وعلى جانبي الملعب توجد أبنية خاصة بالفرق الرياضية. وهناك في صور ملعب آخر غير مكتشف.
وقد شاهد الإسكندر المقدوني ألعاباً كجزء من إحتفالاته بالنصر على صور، كما أن الألعاب الدورية كانت تجري في صور كل خمس سنوات خلال القرن الثالث والثاني قبل الميلاد، وقد حضر بعض هذه الألعاب ورعاها مجموعة من الملوك السلوقيين.
2- قوس النصر أو قلعة صور:
تقع قلعة صور في منطقة البص شمال شرق المدينة، على مقربة من المدرج الروماني. يعود بناؤه إلى القرن الثاني الميلادي وقد يكون بناه سكان المدينة على شرف الإمبراطور هدريان الذي زار الشرق خلال القرن الثاني ميلادي، وكانت المدينة على علاقة جيدة معه وهو الذي جعلها عاصمة اتحادية لولاية الشرق. وقوس النصر مبني من الحجر الرملي الذي كان مغطى بطبقة من الجص الأبيض ويحمل ألواناً مختلفة، ويمكن مشاهدة طبقة صغيرة من الألوان على القاعدة الجنوبية في الجزء السفلي من القوس.
وعلى جانبي البوابة الرئيسة يوجد بابان جانبيان أحدهما يؤدي إلى طريق للمشاة وعلى جانبي القوس يمكن مشاهدة بقايا برجين. البرج الشمالي منهما كان مغطى بالموزاييك حيث لا تزال طبقة من الموزاييك تغطي أرضه. أما البرج الجنوبي فكانت أرضه مرصوفة بالحجر. يقطع قوس النصر ثلاثة مداخل وتجري على جانبه الجنوبي قناة معلّقة على قناطر كانت معدّة لجر مياه نبع رأس العين إلى المدينة. وعلى جانبي الشارع مدافن واسعة تتداخل فيها العمائر الجنائزية والتوابيت الرخامية والكلسية والبازالتيّة ذات الأشكال والزخارف والمنحوتات المختلفة. وقد دامت فترة استخدام هذه الجبّانة من القرن الثاني إلى القرن السادس الميلادي.
3- الآثارات البحرية:
وتقع بالقرب من الشاطئ الغربي لمدينة صور مقابل المدرسة الجعفرية، وهي عبارة عن تجمّع لآثارات عديدة من حقبات مختلفة. إذ تضمّ آثاراً تعود بمجملها إلى العصور الرومانية والبيزنطية ناهيك عن بعض بقايا ارصفة المرفأ الفينيقي الجنوبي، أو المرفأ المصري، التي ما تزال منتشرة قرب الشاطئ.
4- الحارة المسيحية:
من أكبر الحارات السكنية في المدينة وتقع شمالها، أحياؤها ضيّقة ولا تدخلها السيارات إذ إن السبيل الوحيد لدوخلها هو إما عبر دراجة أو مشياً على الأقدام. باتت المدينة مقصداً كبيراً للسياح خلال الصيف، خصوصاً في السنوات الماضية، إذ إنها تتضمنً عدداً كبيراً من الفنادق الصغيرة ذات الطابع التراثي تطلّ على البحر، إضافة إلى شاطئها الصخري ضي الطبيعة المتميّزة والذي يحتضن أنواع كثيرة من الأسماك منها السلاحف البحرية التي تشتهر بها المدينة. كما تضمّ الحارة عدداً من الكنائس المسيحية.
5- السوق القديم:
يقع وسط مدينة صور بالقرب من المنطقة المعروفة بـ “البوابة القديمة”. يعود تاريخ أسواق صور الحالية بشكل عام إلى القرن الثامن عشر ميلادي مع وجود بعض المباني التي تعود للقرن السادس عشر. وكانت الأسواق مصنفة سابقاً حسب المهن، كسوق الصاغة وسوق التجّار وسوق الإسكافية وسوق الدباغة. ومعظم مباني هذه الأسواق لم يتغير منذ تم بناؤها، ويمكن مشاهدة العناصر التقليدية للبناء فيها. وأجزاء من هذه الأسواق كانت مسقوفة، مثل سوق الصاغة الذي لايزال مسقوفاً بشكل جزئي.
تتنوع المحال التجارية الوجودة حالياً، وتتميز بخصائصها فنجد مطاعم الفول والحمص التقليدية، مطاعم السندويشات السريعة الفتايل المشهورة في مدينة صور والشاورما وغيرها، متاجر الألبسة والأحذية ومتاجر البياضات والصاغة. ويتميز السوق بأنه ملاصق للحارات السكنية القديمة الشمالية والجنوبية، وميناء الصيادين، مما جعلها مقصد مهم للسياحة الداخلية ومحط اهتمام السواح. أما نصيحتنا، فإنه عند زيارتك للسوق، لا تفوّت تجربة فتايل محفوظ والتي تتميزّ بها المدينة. “صحتين”!
6- الشاطئ الجنوبي:
يقصده معظم القادمين إلى المدينة خلال فصل الصيف، ويعدّ من أكبر الشواطئ الشعبية على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط. الوجهة الأهم في صور هي الشاطئ الرملي المعروف بـ”شاطئ الخيَم البحرية“. إذ تتوزع فيه نحو تسعة وأربعين خيمة تقدَّم فيها المأكولات والمشروبات. ويتوافد إليه الآلاف أسبوعياً، للسباحة أو للإستمتاع بأشعة الشمس وممارسة رياضة ما.
بمحاذاة الخيم البحرية، شيدت “إستراحة صور“. وهي مطعم وأوتيل ومسابح فخمة على الشاطئ. وبالقرب من هذه الإستراحة شاطئ رملي آخر، لا اسم له. سمته الخاصة والجاذبة أنه شاطئ شعبي، يرتاده المئات أسبوعياً. لا خيم ولا إستراحات فيه. بل يجب على مرتاديه جلب أغراضهم معهم، ومظلة كبيرة. وفي أيام الآحاد يشكل الجالسون على شاطئه لوحة ملونة.
على المقلب الآخر للمدينة، تتوزع أربعة شواطئ أخرى متلاصقة بعض الشيء. ويعد “شاطئ الجمل” أحد أكثر البقاع البحرية جذباً للزوار في صور. وقد سميت المنطقة بالجمل لأن صخرة بحرية تتربع في البحر تشبه الجمل في لحظة جلوسه. توجد عدة شواطئ أخرى في المدينة وأشهرها “الخراب” و”الفنار” و”المباركة”.
وإلى جانب “شاطئ الخيم”، توجد محمية صور الطبيعية وهي أكبر محميات السلاحف البحرية في البحر المتوسط. تثع في الجزء الجنوبي من مدينة صور، وتتألف من أكثر شواطىء لبنان الرملية جمالاً، وهو الشاطىء الأكبر المتبقي في لبنان، مما يجعل المحافظة عليها جهداً مبرراً. تمّ إعلان محمية شاطىء صور الطبيعية كمحمية طبيعية بموجب القانون 708 عام 1998 الذي نصّ على إنشاء “محمية شاطىء صور الطبيعية” في جفتلك رأس العين وتعود ملكيتها للدولة اللبنانية وتحت وصاية وزارة البيئة.