الرئيسية » حرف/تراث » متحف الصابون في صيدا … يروي حكايا تراث الأجداد
مبنى متحف الصابون في صيدا
مبنى متحف الصابون في صيدا - تصوير نورا حطيط

متحف الصابون في صيدا … يروي حكايا تراث الأجداد

– نورا حطيط

يروي متحف الصابون في صيدا حكاية الصابون في المنطقة من حلب في سوريا الى نابلس في فلسطين. كما يبرز المراحل التي تمر بها عملية التصنيع ويعرض أشكال متنوعة من الصابون والآثار المستخرجة.

بين الأزقة القديمة وعلى أصوات طقطقات فناجين القهوة وصيحات بائع الكعك، وجدتُ نفسي أمام متحف الصابون في صيدا. ليستقبلني، بعد ذلك في الباحة الخارجية، تاج عامود من الرخام ذي صفٍّ مزدوج من أوراق الأقنثة، يعود للعصر الروماني. من ثمّ دخلتُ المبنى برفقة المرشد زكريا شاكر.

الباحة الخارجية في متحف الصابون في صيدا
الباحة الخارجية – تصوير نورا حطيط

الدراسة التاريخية لمبنى متحف الصابون في صيدا

وُسطَ رائحة الصابون الذكية والبناء الآخذ، عاد بي الزمن الى الوراء، فشهدتُ على سنين مجد متحف الصابون في صيدا تليها فترة انحطاطه ليُعاود بعدها نهضته من جديد.

القرن الثالث عشر حتى نهاية القرن الثامن عشر

شُيِّدَ مبنى معمل الصابون سنة ١٦٥٠ على يد عائلة مغربية، والتي أصبحت اليوم عائلة لبنانية، عائلة حمود.
يعود أقدم جزء ظاهر من مجموعة المباني الى القرون الوسطى. تتألف هذه المجموعة المحمية وراء سور شرقي من وحدات متجاورة على شكل مكعبات وموجهة نحو داخل المدينة.
تم توسيع هذه الوحدات المبنية من الحجر المقصَب والمغطَّى بسطوح، باتجاه عامودي مع بناء ممرات مقوسة فوق الطريق العام. وكان الطابق الأرضي مخصصاً للصناعة الحرفية أو التجارية أو النشاطات المرتبطة بخدمة المساكن في الطوابق العليا.

نهاية القرن الثامن عشر – منتصف القرن التاسع عشر

شكَّل هدم السور انطلاقة لتوسيع المدينة خارج حدودها السابقة. تَمثَّلت هذه الظاهرة في حارة عوده بتشييد مبنى حجري ضخم مقوّس على مستوى ادنى من الوحدات الأقدم. وقد أتى هذا المبنى، الذي لا زالت وظيفته الأولية مجهولة حتى الآن، لسدّ جميع فتحات المستوى الأول من الجهة الشرقية. ويبدو من خلال حجمه وكأنه كان مخزن لا علاقة ظاهرية له مع المباني المشرفة على شارع الشاكرية، لولا عناصر خارجية كالسلالم.

١٨٥٠ – ١٨٩٥

تتميز هذه المرحلة بتوسيع وتغيير وظيفة المبنى الذي شُيِّد في المرحلة الثانية. وقد تطلَّب دمج مصنع الصابون ردم المساحات عند منتصف ارتفاعها لانشاء مساحة الصَّب والتقطيع على مستوى واحد من الأحواض والمقود. كان هذا المعمل الصغير ينتج مصنوعات حرفية يتمّ تصريفها في الأسواق المحلية لتلبية حاجات السُّكان وعدد كبير من الحمّامات. وفي نهاية القرن التاسع عشر، سنة ١٨٨٠، اشترت عائلة عوده مصنع الصابون الذي كان مازال يعمل وتابعت الإنتاج الحرفي تحت إسم العائلة.

١٨٩٥ – ١٩٥٠

غطّى المنزل الكبير الذي شُيِّد في مطلع القرن العشرين ثلثي الحارة، بعد أن دُمِج الطابق الأول مع الطابق الثاني. تم بناء الأخير، سنة ١٩٣١، على مرحلتين على أيدي حَنا ونقولا وشكري عوده واستبدل قرميد مرسيليا الأحمر الذي كان يسقف المنزل بسطح من الباطون المسلح.
يتميز هذا المنزل البرجوازي بالطراز الغربي بخلاف الطابع التاريخي للحي المجاور. بالإضافة الى ذلك، نظراً لتوجهه خارج المدينة، في اتجاه البساتين، يعكس اندفاع المدينة العصرية الراسخة خارج السور مع التمسك بعلاقاتها الوثيقة مع تاريخها.
في هذه الفترة، تم توسيع الحارة مع إنشاء محلات على طول شارع المطران الحديث.

١٩٥٠ – ١٩٩٨

بعد رحيل عائلة عوده الى بيروت في الخمسينيات، تمّ تأجير المنزل الكبير لمدرسة الحديثة الرسميّة للصبيان. وبعد توقّف نشاط المصبنة سنة ١٩٦٥ عند بدء الحرب الأهلية، احتلَّ المهجَّرين الطابق الأرضي. بعد انتهاء الحرب، قام السيد ريمون عوده بإعادة تأهيل مجموعة من مباني الحارة سنة ١٩٩٦. فَرُمِّمِت المستويات الأصليّة والقناطر الحجريّة. كما تمّ تحويل مصنع الصابون الى متحف. كذلك، أُعيد تأهيل المنزل العائلي من أجل المحافظة على العناصر الهندسيّة الأصليّة ليصبح المركز الرئيسي لمؤسسة عوده بعد ذلك.

٢٠٠٠ – اليوم

افتتح متحف الصابون في صيدا أمام الزوّار بعد انتهاء أعمال الترميم.

صناعة الصابون عبر العصور

يقال أنّ إكتشاف الصابون يعود إلى إمرأة كانت تنظف قدرها الملوّث بالدهن بواسطة الرماد، فحصلت على مادة لتكون من المواد الأساسية في صناعة الصابون. كما أنّ هناك عدداً كبيراً من النصوص القديمة التي تشهد على وجود الصابون على مر العصور. فقد أُرخت هذه النصوص على ألواح مثل الألواح المسمارية السومرية التي تعود إلى ٣٠٠٠ سنة قبل الميلاد، ونصوص بلاد ما بين النهرين التي ترقى إلى ٢٢٠٠ سنة قبل الميلاد، والبردي المصري، والنصوص الآشورية أو نصوص الكتاب المقدس.
أما في لبنان، فلسطين وسوريا، تطورت صناعة الصابون بفضل الانتشار الكبير لزراعة الزيتون. كان الصابون يُصنع من زيت الزيتون ورماد القطرونة التي تنبت في البادية الأردنية حول تدمر ومدينة السلط في الأردن.

صناعة الصابون في صيدا

في القرن السابع عشر، كانت صيدا مدينة ناشطة تجارياً وإقتصادياً، إذ كانت تصدر منتجات عديدة ومنها الصابون التي كانت تصل إليها عبر القوافل الآتية من الأرياف المجاورة. كما كانت تصدر الى بلاد الغرب حيث صُدِّرَ جزء كبير من الصابون إلى فرنسا. ومن المرجح أن يكون صابون مدينة مرسيليا في فرنسا ناتجاً عن صابون الشرق الأوسط.

صناعة الصابون في طرابلس

في العهد العثماني، ارتقت طرابلس مركزاً مهماً في صناعة الصابون وذلك بفضل وجود أربعة معامل حكومية. يذكر أنّ حتى عشية الحرب العالمية الأولى، كانت هذه المدينة تنتج ٤٠ قنطاراً من الصابون والذي صدر قسم كبير منه إلى مصر.

صناعة الصابون في حلب

تشهد النصوص في القرون الوسطى على وجود مصابن قرب باب قنسرين، إحدى الأبواب العريقة في سوريا. عرف القرنان السادس عشر والسابع عشر نمواً في الإنتاج وقد يعود ذلك إلى إنتشار زراعة الزيتون، نوعية الصابون وتعميم إستعماله.

صناعة الصابون في نابلس

بدءً من القرن الرابع عشر٬ كانت مدينة نابلس تنتج كميات كبيرة من الزيت وتصدر جزء منها إلى مصر، دمشق والحجاز. وكان هذا الزيت الممزوج مع الرماد يستعمل لتحضير صابون رفيع النوعية.

المواد الأولية المستخدمة في صناعة الصابون بحسب متحف الصابون في صيدا

زيت الزيتون

يستخلاص زيت الزيتون من الزيتون المتساقط على الأرض والذي يعد غير صالح للأكل.

زيت الغار

يستخلص من حبات شجرة الغار و يتمتع زيت الغار بخصائص مطهرة، مرطبة ومضادة للأكسدة.

الصودا الكاوية أو القطرونة

استبدلت الصوديوم من أصل نباتي تدريجياً لأنها سهلت عملية صناعة الصابون، نظراً لسرعة ذوبانها مع الزيت ( تستغرق ٤ – ٥ ساعات).

عشنان القلي

تنمو هذه النبتة في البادية السورية والأردنية وتُحَول الى رماد وتخلط مع الكلس والماء.

الوقود

تستعمل عدّة أنواع من الموارد الطبيعية لتقليم الموقد، منها: خشب شجر الزيتون، بزر الزيتون، جفت الزيتون، وفحم مستخرج من بزر الزيتون. مؤخراً، أُدخل الغاز والمازوت الى بعض معامل الصابون ولكن الوقود الطبيعي يسمح للعامل المسؤول عن الموقد بالتحكم بالنّار مما يُنتج نوعية أفضل من الصابون.

مَيْعة عطر تقليدي

يتم تقطيره من صمغ شجرة الإصطرك التي تنمو في جبل الشيخ وتركيا. تضاف الى الصابون كعطر.

كيف يصنع الصابون؟ متحف الصابون في صيدا يصحبنا في جولة

التصبين عملية تحويل مادة زيتية إلى صابون بواسطة مادة قلوية. يتم التصبين على ٤ مراحل أساسية:

المرحلة الأولى: تحضير الماء القلوية

يمزج رماد عشنان القلي والكلس مع الماء في أحواض التخمير. تبقى يومين وتحرك كل ساعة لضمان امتزاج المواد. بعدها، تفتح المصافي في كعب الحوض ليصفى المزيج القلوي في الأحواض السفلية وينقل في دلاء ليصب مجدداً في الأحواض العلوية حتى إكتمال التخمير. يخلط المزيج النهائي (المياه الحمراء) مع زيت الزيتون المسخن سابقاً في حلّة التسخين.

المرحلة الثانية: مرحلة التسخين

هذا المزيج المسخن بحرارة ١٢٠ درجة عبر الفرن السفلي، والمُحَرك بواسطة مِجْحاف بشكل متواصل، يتحول إلى عجينة صفراء بعد ه ايام. يعوم الزيت على وجه الحلة وتستقر المياه القلوية في القعر وتفرغ بواسطة مصرف نحو جرن حيث يعاد تخميرها. تسكب هذه المياه مجدداً في الحلة بواسطة دلاء حتى ذوبان الزيت بأكمله. عندما تنتهي عملية التسخين، يُرش العجين بالماء النقية لتسقط مادة الغليسرين والشوائب إلى قعر الحلة ثم ينقل العجين في دلاء إلى المفرش ويذوق معلم الصابون العجين ليحدد نهاية التصبين. يذكر أن السيدات، آن ذاك، كن يستخدمن الماء الذي سقط الى القعر في تنظيف البيوت بسبب رائحته العطرة واللمعية التي يخلفها.

المرحلتان الأولى والثانية في صناعة الصابون – تصوير نورا حطيط

المرحلة الثالثة: تحضير شكل الصابون

يصب العمال عجينة الصابون في قالب خشبي كبير ويترك لليوم التالي كي يبرد ويجمد. ثمّ بواسطة خيط قطن، يخطط العمال عجينة الصابون على شكل مربعات. بعدها، يختمون ختم المصنع بواسطة مطرقة. تجدر الإشارة الى أنّ بسبب المساحة الكبيرة التي تحتلها القوالب الخشبية، يرتدي العمال أحذية مركبة على الخشب تفادياً لخراب الصابون أو وقوعهم.

المرحلة الرابعة: تجفيف وتنعيم الصابون

يُعمر الصابون على شكل أبراج لمدة ٤٥ يوماً كي يجفف من الصودا الكاوية والماء. بعد ذلك، يفقد الصابون ٣٠٪ من وزنه وحجمه ويصبح صالحاً للإستخدام. الاّ أنه ينعم في آلة خاصة قبل طرحه في السوق. أما بالنسبة لبقايا الصابون (أي البرش)، كان يستخدم في غسل الملابس.

المرحلتان الثالثة والرابعة في صناعة الصابون – تصوير نورا حطيط

واجهة العرض في متحف الصابون في صيدا

واجهة العرض – تصوير نورا حطيط

آثار مستخرجة أثناء أعمال الترميم في متحف الصابون في صيدا

عُثر أثناء أعمال الترميم على آثار تعود الى عهد المماليك (١٢٥٠ – ١٥١٧ م)، الإمبراطورية البيزنطية والسلطنة العثمانية.

عدّة الحمامات العامة في متحف الصابون في صيدا

عدى عن غرضها الأساسي، كانت الحمّامات العامة ملتقى الرجال والنساء، فيقصدونها لمواكبة أحداث الحياة الهامة. فعادةً ما تلتقي الحماة مع الكنة، تتحضر الفتاة لليلة زواجها، يختن الولد ويتداول الرجال في السياسة وأمور أخرى.

من الجدير بالذكر أنّ الحمام العربي أو التركي المشتاق من الحمام البيزنطي حافظ على الأقسام الثلاثة للحماّمات الرومانية: كَلْدَرْيوم أي الصالة الساخنة، تيبيداريوم أي الصالة المعتدلة الحرارة وفْريجيداريوم أي الصالة الباردة.

عدّة الحمامات العامة – تصوير نورا حطيط

متجر الهدايا التذكارية في متحف الصابون في صيدا

متحف الصابون في صيدا من الأماكن الجديرة بأن تُزار. لذلك، لا بد من التوجه الى محل الهدايا تخليداً لهذه الزيارة الممتعة. تتوفر مجموعة متنوعة من الصابون العطر، باقة مميزة من أشكال الصابون، مجوهرات وعدد من المقتنيات الزجاجية.

عن نورا حطيط

صحافية رقمية مهتمة بالمواضيع الثقافية والاجتماعية. | I am a bilingual Digital Journalist with roots in Lebanon, and a little piece of my heart in Abu Dhabi. I hold a BA degree in Media and Communication from the American University of Beirut. I continued my master studies (M1) in Information and Journalism Sciences, and I’m currently specializing in Digital Journalism for my second and final master year at the Lebanese University. I’m interested in all things related to art, culture and society. When I’m not writing or checking social media, I'm probably binge-watching.