إسراء الرشعيني-
خان الصابون رحلة تاريخية عمرها أكثر من خمسمئة عام في صناعة الصابون، إمتزجت بين العادة والثقافة الطرابلسية اللبنانية. كما أعيد إحياؤه وتجديده بعد أن اقتطع وصاله -لأن مهنة صناعة الصابون مهنة الفقر والتعب- بعزيمة وإصرار من وحي فكر وإبداع جيل جديد معروف بعائلة الدكتور بدر حسون. يتمركز خان الصابون حاليًا في قرية بدر حسّون البيئية بعد أن كان قديمًا قابعًا في محيط أسواق طرابلس القديمة بين مجموعة من المصابن وصانعي وتجار الصابون. يعود ملكه لعدة عائلات طرابلسية لكن عائلة بدر حسون تمتلك القسم الاكبر منه. لا تتردد أكمل قراءتك.
قرية بدر حسون البيئية
منذ إثنتي عشر عامًا وعلى تلة وادي هاب في الكورة شمال طرابلس تحتضنها أشجار الزيتون، الكينا، السنديان، الصنوبر، الصبير وغيرها الكثير من النباتات والأعشاب البرية, بنت عائلة حسّون قريتها البيئية, وهي أول قرية بيئية في الشرق الأوسط والعاشرة عالميًا بشهادة منظمة الصحة العالمية. قرية واسعة تضم خانا للصابون، متحفا، ديوانا، مزارع، مختبرات، ومستودعات بالإضافة إلى منازل عائلة بدر حسون.
مزارع, ديوان وخان للصابون في قرية بدر حسون البيئية
فيما أنت جالس على مقعد خشبي في ديوان القرية تحتسي قهوة شرقية، يسقط نظرك نحو مزارعات يقطفن النباتات والأعشاب البيئية من أراض مهندسة زراعيا، ويضعهن في سلة محبكة من القش ثم يذهبن بها إلى الخان. وفي خان الصابون يمر إنتاج المنتوجات بمراحل عديدة: أولا إستخراج المواد الاولية من عصر الزيوت وتحضير النقيع العشبي وتقطير الأعشاب لانتاج العطر ومن ثم طبخ الصابون على النار وبعدها يتم التحضير لإنتاج مختلف أنواع وأشكال الصابون.
أكد الدكتور بدر حسّون ل”أهلا وسهلاً”: ” أننا نصنع الصابون يدويًّا فليس لصناعة الصابون الطبيعي مكينات صناعية، لكننا نبتكر الأعمال الميكانيكية لتسهيل العمل. حيث نصنعه بأنواعٍ مختلفة من الزيوت العشبية والماء العشبي ومنها الغار وزيت الزيتون وإضافات طبيعية من وادي القرية”. أهم إستخدمات ما ذكر : الحالات العلاجية، العطرية والتجميلية”.
وأردف حسّون قائلًا: “أننا بحاجة لعشرة أيام لننتج صابونة واحدة واليوم نحن وصلنا لألف وأربعمئة منتج تجميلي نعرضهم في المتحف وهو من أكبر وأهم المتاحف لأنواع الصابون والعطور والمستحضرات التجميلية”.
ورث الحرفة عن أبائه وأجداده هكذا قال حسّون، وأضاف ذاكرًا:”إنها ثقافة متولدة في خان الصابون العتيق في الأسواق القديمة الذي ركنّاه حاليًا لتتحسن الأوضاع الإقتصادية، لكنها تجددت في قرية بدر حسون البيئة بوثائق مدونة منذ عام ١٤٨٠ بالإضافة إلى الفنون التشكيلية الموجودة في الصابون “والأبحاث العلمية المتطورة المقامة في أقسام المختبرات.
مختبرات بدر حسون البيئية
“إطمئنوا فإن منتوجات بدر حسون قائمة على عمل مختص من خلفية ثقافية وعلمية, تخضع لإدارة جودة ونوعية رائعة من خلال مختبرات بدر حسّون” بحسب ما قال حسّون.
لذا تمر هذه منتوجات على أقسام عديدة. تبدأ بالقسم الكيميائي المختصر بالكمست أي chemistry حيث فيه يحلل ويشرّح المنتج بعد أن ينتهي وربما أحيانا قبل الإنتهاء، بهدف معرفة ما إذا كانت مواصفات المنتج مطابقة للمواصفات العالمية أو العكس. ثم يزور المنتج قسم الميكروبيولجي لفحص الباكتيريا والفطريات داخله. بعد ذلك يدخل في قسم الارشيف عيّنة من المنتج ويرقّم ثم يوضع بملف محتويًا على إسم الصانع وبأي تاريخ والوقت وما هي المواد الاولية الموجودة في داخل المنتج ومن أي أعشاب او أشجار مستخرجة.
علاوة على ذلك, يتم التجارب على الأفكار التي نوى تطبيقها على حجم صغير في قسم المشغل, ليتم في ما بعد تحويلها إلى منتجات أكبر وأكثر. وذلك من خلال إستخدام المواد الأولية المخزنة في قسم خاص بها حيث يوجد الألاف منها .
بالإضافة إلى قسم يتم فيه صنع العطر الشرقي الطرابلسي وإختبارها ثم تترك لفترة زمنية لتظهر في ما بعد فعاليتها ومدة بقاء رائحتها بعد تعتيق العطر الذي يترواح مدة تعتيقه من سنة إلى عشر سنوات.
متحف قرية بدر حسون البيئية
يضم متحف بدر حسّون ألف وأربعمئة منتج تنقسم إلى أربعة أنواع أساسية: مواد العناية بالبشرة أي الكريمات الزيوت، العطور، الصابون التقليدي وصابون الهدايات والملوّن المعد للزينة.
أما بالنسبة للصابون الملون فإنهم لا يستخدموا أي مواد صناعية أو كيماوية ملونة إنما الأعشاب الطبيعية هي التي تمنح الصاب ألوانا وروائح مميزة. ينقسم سعر هذه المنتجات إلى ما هو مقبول وغالي بسبب ندرة وجود بعض الأعشاب مثل الورد والزعفران ومكونات طبيعية بعضها أغلى من الذهب وأيضًا تكاليف إستخراج المواد الأولية، حيث يترواح سعر الصابونة من ١٠$ إلى ١٠٠٠$ وما فوق. على سبيل المثال صابونة بدر حسون الذهبية هي أغلا صابونة في العالم، سعرها 2800$ ووزنها مئة غرام مصنعة من ست وأربعون نوع زيت وعشب وذهب وفضة ولولو وماس. والجدير ذكره أن الذهب هو مادة مضاضة للأكسدة يكافح الشيخوخة ويعالج مشاكل الجلد والبشرة.
بالإضافة إلى العطر المأخوذ من دهن العود الكمبودي المعتق، الذي يصل سعر الكيلو منه إلى ٦٠ أو ٧٠ ألف دولار.
ذكر الدكتور بدر حسون أن هناك زيوت عالية الكلفة مثل زيت البقدونس، زيت القنب، زيت المورينغا، زيت الزغفران، زيت التين الشوكي وزيت الكينا، حيث أعطى مثلا أن تكلفة ٢٥،٣٠ غرام زيت الكينا العطري من ٣٠ كيلو ورق كينا، تعادل ال 150$.
كي لا ننسى أن لبنان دخل في كتاب غينس للأرقام القياسية بواسطة عائلة بدر حسّون بعد إنتاجهم لأكبر صابونة في العالم التي تبلغ وزنها ألف وستمئة كيلو, وإرتفاعها أربع أمتار ونصف أما سعرها لم يحدد بعد لأنها لم تنتج بهدف البيع.
قرية بدر حسون البيئية ذو المعلم السياحي
في الوقت الذي يتضاءل فيه عدد سياح خان الصابون القديم في طرابلس, يتضاعف عدد زوار قرية بدر حسون في ضهر العين-الكورة-شمال لبنان من لبنانيين وأجانب, شخصيات فنية ودينية وسياسية وأفراد مدرسية وجامعية وجمعيّات. هدفهم ليس شراء المنتوجات فقط إنما زيارة قرية تحولت إلى تجربة بيئية وصناعية.
على مقلب آخر، إجتاز إنتاج قرية بدر حسون حدود طرابلس خاصة ولبنان عامة ليصل إلى العالمين الغربي والشرقي، فلم يقتصر على الإستخدام الشخصي فقط إنما لتبادل الهدايا بين الأشخاص في كافة المناسبات عامة أو خاصة, وهذه الهدايا تكمن في علب مغلفة بطريقة زخرفية تتناسب مع المناسبة.
ختم الدكتور بدر حسون كلامه أن: في قريتنا إرث ضخم ومزيج بين التقليدي والبيئي مع الحداثة، لا بد من الحفاظ عليه كي نحافظ على تاريخنا وثقافتنا .
أحسنت، ثابري و تقدمي 👍
تحقيق مهم يظهر أحد وجوه لبنان السياحية والصناعية الحرفية
لطالما كنت الأجدر دوماً وأينما حلّت خطاكِ أراكِ لامعة بين كلّ الصّعاب.. عزيزتي 💙
احسنت عملا رائع….الى المزيد من التقدم