– نورا حطيط
يُعد المطبخ اللبناني، الأكثر شعبيةً في العالم خاصةً منطقة الشرق الأوسط، إرثُ لبنان الثقافي حيث باستطاعتنا التعرف على تاريخ لبنان والمناسبات الإجتماعية والدينية فيه بواسطته.
لا شك بأن لبنان يشتهر بأهمية معالمه الأثرية السياحية وبيوته القرميدية الحمراء وحجارته التي تروي فرادة تاريخه. فضلاً عن قراه المعلقة على الجبال والمنبسطة على سهوله ووديانه التي لها ميزتها الخاصة من بيت شباب بأجراسها، راشيا ببيوتها التقليدية، جزين بشلالاتها، دير القمر بقصور أمرائها الى بشري بجبرانها. كذلك، فإنّ المطبخ اللبناني لا يقل شهرةً وأهميةً عنها بتنوعه الغني ومذاقه اللذيذ الذي ذاع صيته عالمياً. بل والأكثر من ذلك، انه إرث لبنان الثقافي حيث باستطاعتنا التعرف على تاريخ لبنان والممارسات والمناسبات الإجتماعية والدينية فيه بواسطته.
المطبخ اللبناني وتاريخ لبنان: علاقة وطيدة
ساعد تاريخ لبنان الفريد في جعل المطبخ اللبناني الأكثر شعبيةً بين مطابخ الشرق الأوسط فهو يجمع بين الوجبات الرئيسية، المقبلات والحلويات. يعود سبب ذلك الى وقوعه تحت الحكم العثماني والإنتداب الفرنسي.
المطبخ اللبناني يستوحي خصائصه من مستعمريه
نورا حطيط
يستوحي المطبخ اللبناني أهم خصائصه من المطبخ التركي، ويرجع ذلك إلى فترة الحكم العثماني التى استمرت من ١٥١٦ حتى ١٩١٨. تشمل الأطعمة التي أُدخلت اليه وأصبحت أساسية فيه، التالية: زيت الزيتون، الخبز، البقلاوة، اللبن، القهوة التركية ومجموعة متنوعة من المكسرات.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وقع لبنان تحت الاستعمار الفرنسي وأضيفت الحلويات الى مطبخه مثل كريم كراميل، كريب، كاسترد والكرواسون.
كثيرةٌ هي الجذور المشتركة التي تجمع المطبخ اللبناني مع الدول العربية الأخرى، من العراق إلى الجزيرة العربية، بلاد الشام ودول المغرب، نظراً لموقع لبنان والتقسيمات الجغرافية السابقة للبلاد. اعتمد العرب في الجزيرة العربية على التمر، الشعير، الحبوب، الأرزّ، اللحوم والحليب ومشتقاته. كما دخلت الأسماك الى مطابخ بلدان الجزيرة الساحلية مثل اليمن، الخليج والحجاز. بالإضافة الى ذلك، لجأ العرب الى النعناع، الزعتر والتوابل الخفيفة كالسمسم، الزعفران، الكركم، الثوم، الكمّون، القرفة، السمَّاق والبهارات لتطييب الطعام. فبفضل دور لبنان كوسيط تجاري بين دول العالم القديم، أصبحت هذه المكونات من أساس المطبخ اللبناني.
المطبخ اللبناني في ظل المناسبات الدينية
لا يكاد ينتهي إحتفالاً حتى يبدأ آخراً، أكان ترفيهياً أم دينياً، فيشعر اللبناني أو السائح بأنه في حلقة لامتناهية من الإحتفالات على مدار السنة.
شهر رمضان
يصوم المسلمون من بزوغ الشمس حتى مغيبها ولسفرة رمضان تقاليدها. تجتمع العائلة والأصدقاء على وجبتي الإفطار والسحور. عادةً ما يفطر المسلمون على التمر والمرطبات وتشمل سفرة الإفطار: الحساء، المقبلات (المازا)، الفتوش، الطبق الرئيسي والعصائر المنعشة. يُعَد الحساء أمر ضروري لأنه يجدد سوائل الجسم، وأكثر أنواع الحساء استهلاكاً هي شوربة العدس، حساء الخضروات، شوربة الدجاج والشعيرية. بالنسبة للمقبلات، تشمل الرقاقات، السمبوسك، الحمص، الكبة والمعجنات. أما الطبق الرئيسي، فيحتوي عادةً على النشويات، الخضروات، البروتينات والدهون مثل الأرز مع الدجاج أو اللحم، اليخنات والخضروات المحشوة.
أخيراً، من العصائر التقليدية المنعشة هي الجلاب، تمر الهندي وقمر الدين.
- يُصنع الجلاب بشكل أساسي من الخروب، شراب الرمان وماء الورد ثمّ يُدخن بالبخور العربي ويُقدم مع الصنوبر.
- يُصنع قمر الدين من معجون المشمش المجفف، الماء والسكر ويمكن إضافة الصنوبر عند تقديمه.
- يُصنع تمر الهندي من لب ثمرة شجرة التمر الهندي، ماء الزهر، السكر والماء.
بعد الإفطار، يأتي وقت الحلوى التي تشمل أطيب الحلويات العربية مثل الكلاج، القطايف، العثملية، المدلوقة، المفروكة، الشعيبيات، زنود السّت وغيرها.
عند حلول وقت السحور، يجوب المساحراتي (الطبال) الشوارع مع الطبلة ويردد عبارات مثل: “يا نايم وَحِّد الدايم، قوموا على سحوركم” أي “استيقظ، سبح الله، حان وقت السحور!”. سفرة السحور مثل وجبة الفطور الصباحية وتضم الخبز، البيض، منتجات الألبان، المناقيش، الكعك العصروني.
عيد الفطر
يَحلُّ عيد الفطر عند انتهاء شهر رمضان. تتجمع العائلات ويزور الأحباء بعضهم البعض. طبعاً، للضيافة مكانتها ولسفرة الغداء أيضاً والتي تشبه مائدة الإفطار.
عيد الأضحى
يحتفل المسلمون بعيد الأضحى سنوياً بعد وقفة يوم عرفة خلال الحج حيث يقومون بذبح الأضاحي وتوزيعها على الأقارب والفقراء. كما ويتخلل العيد اللقاءات العائلية والإحتفالات التي تدخل الفرح إلى النفوس.
يحتلّ الطعام حيّزاً مهماً في عيد الأضحى ويشكّل اللحم عنصراً أساسياً في المأكولات. بالتالي، يشتهر طبق الكبسة، البرياني، الضلع والأرز، المشاوي وغيرها.
عيد الفصح
يُعد من الأعياد المسيحيّة الأكثر احتفالاً الى جانب عيد الميلاد. يحتفل المسيحيون بعيد الفصح في اليوم الذي ينتهي فيه الصوم الكبير الذي يستمر ٤٠ يوماً، كما ينتهي فيه أسبوع الآلام. يتحوّل غداء عيد الفصح إلى جَمعة للأقارب وتُقدم الأطباق الإعتيادية التي تضم الحبش، الدجاج والغنم، مثل طبق الدجاج والأرز الشرقي والسلق المحشي بلحم الغنم وغيرها. بالإضافة الى ذلك، يُحضَّر المعمول خصيصاً لعيد الفصح. وهو عبارة عن عجينة مصنوعة من السميد، السكر، الزبدة، ماء الورد وماء الزهر. تُحشى العجينة بالتمر، الجوز، والفستق وتُغطى أحياناً بالسكر الناعم. ولكل نوع من المعمول شكله الخاص حسب الحشوة مما يساعد على تمييزها. عادةً ما يُحضَّر العجين يوم الجمعة العظيمة ويُخبز في اليوم التالي.
للأطفال حصّة من العيد أيضاً بحيث يستمتعون بعدّة ألعاب ونشاطات، منها:
- تلوين البيض
- البحث عن البيض المخفي
- كسر البيض: يُضرب البيض ببعضه البعض عند طرفه المدبب لمعرفة من لديه أقوى بيضة مسلوقة وغير قابلة للكسر والفائز من يهزم الجميع.
عيد الميلاد
تتلألأ الزينة على أشجار الصنوبر وتضاء الشوارع وشرفات المنازل، وتعمّ المظاهر الاحتفالية في مدن وقرى لبنان على حدٍّ سواء. يحتفل المسيحيون في لبنان بذكرى ولادة يسوع، فيقصدون الكنائس ويقيمون الصلوات الخاصة. كما يستبقون يوم العيد بإقامة الولائم في البيوت، التي تشمل أهم مقبلات المائدة اللبنانية مثل التبولة، الفتوش، الحمص بالطحينة، الباذنجان المتبل، الكبة المقلية، طاجن السمك، ورق العنب بالزيت، والمعجنات وغيرها. كما تضيف بعض العائلات اللحوم النيئة مثل الكبة النيئة. تناسب هذه المازا الحبش على الطريقة اللبنانية التقليدية، أي المحشي بالأرز واللحم، القلوبات والكستناء. قد يلجأ البعض الى الدجاج بدلاً من الحبشة. يقدّم الطبق مع الأرز واللحم والمكسرات. بعد ذلك، تُقدّم الفواكه الموسمية، ومن ثمّ البوش دي نويل وأي نوع آخر من الحلو مثل العثملية أو المغلي.
عيد الغطّاس
يصادف ٦ كانون الثاني (يناير) يوم عيد الغطّاس حيث يحيي المسيحيون ذكرى معمودية النبي عيسى (ع) في نهر الأردن على يد يوحنا المعمدان. من ضمن الحلويات التي تقدَّم هي كعكة الملك أو كعكة الملوك الثلاثة A Galette des Rois تكريماً للملوك الثلاثة الذين حضروا إلى مدينة بيت لحم في فلسطين ليهدوا الطفل يسوع. عادةً ما يوضَع بداخل الكعكة دمية صغيرة لطفلٍ، يمثِّل يسوع، ومَن يجدها يصبح ملكاً ليومٍ واحدٍ
كما تحضّر النساء في هذا العيد حلويات أخرى مثل العوامات، الزلابية، والقطايف التي تغطّس بالزيت وتقلى ثم تحلّى بالسكر. ويُضيء الناس منازلهم ولا ينامون إلّا بعد مرور الـ”دايم دايم” عند منتصف الليل، ليبارك المنازل ومن فيها. كما تعلّق عجينة ملفوفة بالقماش على الباب لكي يباركها وتختمر.
المطبخ اللبناني في ظل الحياة الإجتماعية
يشتهر اللبنانيون بحسن الضيافة، إذ تعتبر شرف عظيم أن تكون ضيفاً في البيت اللبناني. يُقدَّم الشاي أو القهوة أو العصير على الفور للضيف، فضلاً عن المقرمشات أو حتّى دعوتهم لتناول الطعام إذا حلّ وقت وجبة رئيسية. ومن حسن الأخلاق أن تقبل الضيافة والاّ اعتُبِرت إهانة.
لعلّ من أهم العادات هو تجمع أفراد العائلة وتبادل أطراف الحديث على المائدة فمن غير المعتاد أن يتناول اللبناني الطعام بمفرده. كما يُنسب يوم الأحد للعائلة حيث يجتمع جميع أفراد الأسرة الممتدة، يتحدثون ويتناولون الطعام معاً.
بالإضافة الى ذلك، ينضم المطبخ اللبناني الى شَتَّى المناسبات من حفلات الزفاف والخطوبة الى الصبحيات وغيرها. على سبيل المثال، يُقدّم المغلي للإحتفال بولادة الطفل والسّنَينيَّة للإحتفال بالسن الأول للطفل.
في القرى اللبنانية، تُساعد النساء بعضهن البعض في تحضير بعض الأطعمة مثل الورق عنب والكِبَب. كذلك، يتجوّلن في البراري لقطف الزعتر، الزيتون، الفواكه والخضروات.
كذلك، عند انتقال شخصٍ ما أو عائلة إلى حيٍّ أو مبنى جديد، يقوم الجيران بزيارته وإحضار الطعام معهم كمبادرة ترحيب. في سياقٍ مماثل، يجتمع الأشخاص على الطعام بهدف التعارف.
انتشار المطبخ اللبناني في المدن
قد يقصد اللبناني أو السائح طرابلس لتناول حلاوة الجبن والكنافة الطرابلسية، والتوقّف عند مطعم مرشاق عالبحر في البترون للإستلذاذ بالمأكولات البحرية والمقبِّلات، ثمَّ التوقف في جبيل للبوظة أوالعصير. أو قد يتوجه إلى فلافل صهيون في بيروت، أو مطعم بيت إم نزيه في الحمرا أو الجميزة للإستمتاع بمختلف الأطباق اللبنانية. أما بالنسبة للحلو العربي، تشتهر عدّة محلات تمتد على طول لبنان مثل حلويات البابا وحلويات كنعان في صيدا، حلويات قصر الحلو الحلاب وحلويات أمل البحصلي في بيروت.