-جويل حبيب-
متحف بيروت الوطني أو متحف بيروت القومي هو المتحف الرئيسي للآثار في لبنان. شهد على العصر الذهبي من جهة والحروب من جهة أخرى. ومن هنا، إذا أردت أن تتعرف على تاريخ لبنان، ليس عليك إلا أن تقوم بزيارة متحفه. قاعاته تضم موجودات أثرية يصل عددها حوالي ١٠٠٠٠٠ قطعة تعود إلى عصور مختلفة بدءًا بما قبل التاريخ. وداخله تقيم الأزمنة والحضارات، وتروي تاريخ شعوب وثقافات تعاقبت في لبنان.
تاريخ متحف بيروت الوطني
بدأت نواة المتحف الوطني عام ١٩١٩ بقطع أثرية عثر عليها في بيروت وجوارها. تقرر وضعها في مبنى المرسلات الألمانية في شارع جورج بيكو. وقامت بعدها سلطات الإنتداب بإنشاء مصلحة الآثار والفنون الجميلة التي بدأت بجمع القطع الأثرية التي عثر عليها في مدينتي صور وصيدا.
وفي عام ١٩٢٣ تألفت لجنة مهمتها بناء متحف للآثار في بيروت، فنظمت حملة لجمع التبرعات. وعام ١٩٣٠ بدأت ورشة البناء وامتدت قرابة السبع سنوات. وتم افتتاحه في ٢٧ مايو ١٩٤٢ في حضور رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك ألفرد نقاش.
ولكن مع اندلاع الحرب الأهلية في لبنان عام ١٩٧٥، أغلق المتحف أبوابه، بعدما أصبحت طريق الشام خط تماس وبوابة عبور بين شطري بيروت الشرقية وبيروت الغربية، وبات أشبه بثكنة لعناصر مسلّحة. وفي ظل هذا الواقع وخشية تعرض موجوداته للسرقة، قام حافظ المتحف الأمير موريس شهاب، بإخفاء القطع الصغيرة في مستودعات الطابق السفلي محميةً بجدران من الإسمنت المسلّح، وبتغطية قطع الفسيفساء المركّزة في الأرضية بطبقة من الإسمنت في الطابق الأرضي، وبإخفاء القطع الكبيرة المتعذّر نقلها كالتماثيل بأكياس رملية.
وعند انتهاء الحرب عام ١٩٩١، تركت المعارك آثارها على متحف بيروت حيث تعرض لدمار هائل من السقف الى الشبابيك المخلّعة التي تتسرّب منها المياه إلى مخازنه، كذلك الجدران التي تحمل آثار القذائف إضافة إلى كتابات المسلّحين.
أمّا وضع القطع الأثرية فكان خطير نظرًا لعدم توفّر شروط الحفظ الملائمة داخل المستودعات على مدى ١٥ عامًا. كذلك أدى الحريق الناتج عن قصف المبنى الملاصق للمتحف، الى تلف قسم من أرشيفه، وإلى دمار حوالي ٤٥ صندوق من القطع الأثرية إضافة إلى تجهيزات المختبر بكاملها.
ونتيجة تضافر جهود وزارة الثقافة والمديرية العامة للآثار والمؤسسة الوطنية للتراثيين بين عام ١٩٩٥ و١٩٩٩، أعيد تأهيل المتحف الوطني من إنارة وتركيز الواجهات إلى توثيق القطع الأثرية وترميمها. وتمّ افتتاحه نهائيًا في ٨ تشرين الأول ١٩٩٩.
آثار متحف بيروت الوطني
يعتبر متحف بيروت من أهم متاحف منطقة الشرق الأوسط وأغناها، نظراً إلى الأهمية التاريخية للقطع المعروضة فيه من نقوش وتماثيل ونواويس وفسيفساء وكنوز ونقود وأسلحة. في الطابق الأرضي والأول منه يوجد مقتنيات تعود إلى العصر الحجري، كرأس حربة من صوان كانت تستخدم للصيد، وأدوات أخرى من العصر الكلكوليتي كصنارة من النحاس.
ومن تحف العصر البرونزي هناك القطع العاجية المصنوعة من أسنان فرس البحر، وناووس أحيرام “ملك جبيل” الذي يعتبر من أهم القطع المعروضة، فهو الشاهد الأول على الأبجدية الفينيقية. والآثار المتبقية من العصر الهليني تتنوّع بين منابر من رخام وتماثيل آلهة، كتمثال لإله الحب. أما الآثار التي تعود للعصر البيزنطي، فهي التماثيل الخزفية إلى الحلي على أنواعها والمصنوعة من الذهب واللؤلؤ والأحجار نصف الكريمة. ومن الفتح العربي إلى نهاية العصر المملوكي نجد الفخاريات التي تميّزت بالطلاء الملون مع رسوم وكتابات عربية.
الفن الجنائزي في متحف بيروت
الطبقة السفلية من المتحف مخصصة للفن الجنائزي في لبنان، من عصور ما قبل التاريخ إلى السلطنة العثمانية. وهي ثمرة جهود فريق عمل مشترك لبناني- إيطالي
يحتوي هذا الطابق على كنوز أثرية يُكشف عنها للمرة الأولى. ويضم نحو ٥٢٩ قطعة معروضة، من النواويس والتمائم والمجوهرات والجداريات، والقطع الفنية وكل ما له علاقة بالطقوس الجنائزية.
تم اكتشاف المقتنيات في مقابر ومدافن في مواقع التنقيبات في مختلف مناطق لبنان في أوقات زمنية مختلفة. وهناك بعض القطع التي لم تعرض بعد لحداثة اكتشافها.
أقدم معروضات هذا القسم في متحف بيروت هو سنّ لإنسان “هوموسابيانس” الذي عاش في لبنان منذ ٧٠ ألف سنة ق.م.. وأحدث المعروضات هو نصب يعود إلى زمن الدولة العثمانية وتحديدًا عام١٨٣٠
كما يضم الطابق أكبر مجموعة من النواويس الحجرية في العالم وعددها نحو ٣٠ ناووساً، تعود إلى الحقبة الفنيقية، عثر عليها في مدينة صيدا الجنوبية، وتشكّل خليطًا من الأنماط المصرية القديمة واليونانية.
ومن الكنوز التي تتضمنها هذه القاعة، قبر منحوت في الصخر اكتشفه صدفة فلاح في منطقة صور عام ١٩٣٧ يحمل نقوشًا مستوحاة من الأساطير الدينية اليونانية.
ومن المعروضات أيضاً، ناووسًا رومانيًا عثر عليه في بيروت، تروي نقوشه أسطورة ايكاروس اليونانية القديمة، وهي عبارة عن شاب كان محتجزًا في متاهة في جزيرة كريت، وهرب من محبسه بجناحين من شمع، لكنه اقترب من الشمس فذاب جناحاه وهوى صريعًا.
وهناك قطع نادرة، عبارة عن واجهة رخامية لأحد المدافن وعليها صليب من كل جهة. وفي الوسط رسم للسيدة العذراء وكتابة تشير إلى أنه مدفن بروليوس، ويعود إلى عام ٢٤٠ أي خلال الحقبة البيزنطية. كما عرضت قناديل زيت ومباخر برونزية منقوش عليها مشاهد من حياة السيد المسيح. كما يوجد الأباريق التي تعود إلى الحقبة الفينيقية التي تراوحت بين ٨٠٠ و٩٠٠ ق.م. حيث أصبح الفينيقيون يحرقون جثامين موتاهم ويضعونها في أباريق جنائزية.