الرئيسية » الآثار » قلعة طرابلس، جوهرة السياحة في لبنان
قلعة طرابلس
الصورة من موقع القدس العربي

قلعة طرابلس، جوهرة السياحة في لبنان

آية درنيقة –

لبنان مهد الحضارات ومنارة البلدان، ملتقى الشعوب وعرين الشرق، شهد قيام حضارات عريقة على أرضه، واستوطنته شعوبا وقبائل متعددة تركت الكثير من الآثار التاريخية خلفها فباتت هذه الآثار مزارات سياحية مهمة على صعيد العالم أجمع. فالسياحة في لبنان مزدهرة بشكل كبير، وتشهد غالبية مناطقه وجود معالم سياحية فيها، من شماله إلى جنوبه، شرقه وغربه وقلعة طرابلس عروس السّياحة في لبنان [1] .

موقع مدينة طرابس وأهميتها

طرابلس عروس الشمال، مدينة لبنانية تاريخية تحتضن على أرضها قلعة سياحية لا زالت حتى يومنا هذا من أهم معالم السياحة اللبنانية. تقع مدينة طرابلس على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، مما جعلها وعلى مدى أكثر من ثلاثة آلاف عام شعلة أضاءت ولادة ثقافات مختلفة والتقت عندها اعراق عديدة. كان لهذه المدينة دورا محوريّا اذ تناوبت الكثير من الدول المهيمنة الحكم عليها، وتركت معظم حضارات هذه الدّول أثرا في المدينة ليبقى شاهدا على تاريخها العريق[2]

مدينة طرابلس
الصورة من موقع لبناننا

من أبرز هذه الآثار قلعة طرابلس والتي تسمّى ب قلعة “سان جيل” [3].

تاريخ القلعة

تعدّ قلعة طرابلس من أقدم القلاع و أشهرها في السياحة اللبنانية ، وقد بدأ بناؤها في العام 636 ميلادية، حيث وضع حجر أساسها وشرع بتشييدها سفيان بن مجيب الأذري،في حين يزعم البعض أن قلعة طرابلس قد قام ببنائها الصّليبيون في مطلع القرن الثّاني عشر عندما حوصرت المدينة، وجعلوها مركزًا  لحملاتهم العسكرية، ثم ما لبث أن أحرقها المماليك في العام 1289 ليُعاد بناؤها بين العامين 1307 _1308 وذلك في عهد الأمير كورجي الذي كان يحكم المدينة حينها. وفي العام 1521 في عهد السلطان سليمان القانوني رُممت قلعة طرابلس السياحية، ولكن ما لبثت أن حوّلت لسجن في أواخر الحكم العثماني للبنان.

زيارتي للقلعة

زرتُ مرارا قلعة طرابلس وفي كافّة مراحل عمري كوني ابنة تلك المنطقة، ولكن لزيارتها في عمري هذا له طابعه الخاص اذ قادني فضولي لتأمّل كل ناحية في هذه القلعة. قلعة طرابلس جميلة جدا، كل شبر فيها يحكي قصصا تاريخية وبطولات وعذابات لأسرى وانتصارات وحروب صارت اليوم لؤلؤة السّياحة اللبنانية.

أول ما يجذبك في قلعة طرابلس وأنت تجول فيها، وتتمتع بـ السياحة في أرجائها هو ارتفاعها الشّاهق، اذ يبلغ طولها مئة وستة و ثلاثون مترا. وهي مستطيلة الشّكل، متوسطة العرض حيث يصل عرضها إلى سبعين مترا، كما أنّها متعددة الأضلاع، متنوعة الزّوايا.

السّارح في ربوعها يلتفت إلى أنّها مؤلفة من قسمين: قسم داخلي وقسم خارجي. القسم الخارجي يتألف من سلسلة حجب وأبراج وخندق محفور داخل الصّخر في الطّرف الغربي، ويرتفع فوق سطح الأرض عند الطّرف الآخر، ويبلغ طوله أكثر من سبعين مترا حيث يمتد من وجه البرج الرّابع والعشرين حتى البرج الرّابع، أمّا عرضه فيوازي خمسة أمتار وهو خندق عميق اذ يزيد عن المترين عمقه.

ممر في قلعة طرابلس
الصورة من موقع Mapio net

يزيّن قلعة طرابلس أعمدة مرتبة بدقة تستطيع ملاحظة ترتيبها بشكل جليّ، حيث تؤلّف سلسلة أبراج وحجب يصل عددها إلى ٢٥ برجا وحاجبا. ومتى ما غصت في بحر السياحة في أرجائها وخرجت من باب قلعة طرابلس الكبير وحاولت الدّوران حول السّلسلة ستجد برجين بارتفاع خمسة أمتار وفي أعلاهما فتحات أربع وعددٌ لا يستهان به من المكاحل والشّرفات الحربيّة. ولا تقدر إلا ملاحظة بعض الأعمدة القديمة التي استخدمت لتقوية جدران هذين البرجين وربطها، وأكثر ما يلفت في هذه الأعمدة هو التّرتيب الهندسيّ المتقن لها حيث وُزّعت بهندسة جاذبة فوضعت سبعة عمدان في البرج الأول وستة في الثّاني.

مميزاتها

وما يميّز قلعة طرابلس، أنّ فيها ما لا يخطر على بال أحد ممّن لم يزرها، ويؤهّلها لأن تكون محطة من محطات السّياحة فالسّراديب السّريّة كثيرة، عدا عن وجود أقبية محصّنة توصل طريقها إلى خارج القلعة، كما وفيها ما يقارب ال ٢٥ برجًا و حاجبًا. إضافة إلى فتحات المدافع التي بنيت في أساس أعمدة قلعة طرابلس والتي تزيد عن العشرين فتحة [4] ولا زالت حتى يومنا هذا فيها. لكن المدافع المصنوعة من النحاس والتي بقيت في القلعة تجاوزت ال 400 مدفع تقريبًا، وجدت عام 1910 وقد تم إرسالها إلى ألمانيا بهدف إعادة صبها.

مدفعية حربية في قلعة طرابلس
الصورة من موقع ملتقى المصباح الثقافي

أمّا عن حجارة قلعة السياحة في طرابلس، الّتي شهدت الكثير من الرّوايات والحروب والشّعوب فقد تمّ بنائها وتشييدها بحجارة ناعمة ورمليّة، ولها قياسان أحدهما طوله ٩٠ سم وارتفاعه ٤٠ سم، والآخر طوله ٢٥ سم وارتفاعه ١٨ سم وهذا ما يذهل الباحثين في السياحة وخبراء العمارة. وقد نقش عليها الصّليبيّون بعض العلامات الّتي تدلّ عليهم.  

 وفي قلعة طرابلس نوع من الحجارة استعمل بكثرة في أبراجها الغربيّة وهي أحدثُ من تلك الرّملية والناعمة. وقد نحتت هذه الحجارة بطريقتين مختلفتين.

لم تحصل قلعة طرابلس على نصيبها من الإهتمام بالرغم من أهمية تاريخها وعمارتها، فهي لم ترمم كما يجب أو كما تستحق ولم تحصل على الحماية لرموزها. لكنّها استقبلت الآلاف من الزوّار المغتربين منهم واللبنانيين وما زالت محط أنظار العالم لما لها من مكانة مهمة في السياحة اللبنانية.

لكن مؤخرًا، قامت بلدية طرابلس، بأعمال ترميم لبعض الٌأقسام من قلعة طرابلس بما فيها رصف الممرات وإعادة تأهيل الأقسام المهدمة، كما ونظمتها من الداخل ونظفت حجارتها [5] بدعم من مؤسسات دولية معنية ب الآثار وبمساعدة المديرية العامة للآثار والجيش اللبناني في لبنان.

كما وبفضل هذه القلعة، تمت إقامة a يضم الكثير من الآثار التي وجدت داخل قلعة طرابلس ولا زال هناك الكثير منها لم يتم إضافته بعد.

قلعة طرابلس من الداخل
الصورة من موقع Tripadvisor

هذه القلعة الحصينة لو أتيح لها الكلام لأخبرتنا عن أعوام وأعوام من الذكريات والملاحم في مسيرتها التاريخية، وعن الكثير من الشعوب التي مرّت ولم نعرف عنها إلا القليل من الروايات المتناقلة بين الأجيال. ولا يمكن لمن يرغب في السياحة في لبنان أن يتغاضى عنها او يتناساها، فصمودها ليومنا هذا يثبت مدى براعة معماريها رغم عدم توفر ربع المعدات التي توجد اليوم. قلعة طرابلس، بل جوهرة السياحة في لبنان شهدت على الكثير من الأجيال وما زالت. رحل الجميع وبقيت هي.

عن آية درنيقة

طالبة ماستر في الإعلام الرقمي - الجامعة اللبنانية. تخرجت من الجامعة اللبنانية الدولية .في ال2018 من اختصاص الراديو والتلفاز