جبيل … بين حضارات عريقة وسياحة ساحرة

جنى شقير _

هي مدينة الحرف، واحدة من أقدم المدن العالمية، جبيل التي تأسست كقرية لصيادي السمك شهدت الحضارات على تقدمها في المجال التجاري، والحرفي في صناعة الفخار والسفن من خشب الأرز، تميزت بموقعها الاستراتيجي الذي يبعد 37 كيلومتر عن بيروت ومناخها الجبلي ومعالمها الأثرية التي جعلت منظمة اليونسكو تدرجها في العام 1984 على لائحة التراث الإنساني العالمي.

تاريخ مدينة جبيل

 تقول الأسطورة أن الإله إيل كبير الكنعانيين هو من أسسها لذلك سمية باسمها الحالي اختصار لكلمة “جب إيل”، كما أن المحفوظات والنقوش الحجرية في مصر تشهد على تميز المدينة تجارياً بتصدير الأخشاب لبناء السفن وصناعة المعابد المصرية. من أهم المحفوظات رسالة “تل العمارية” و “بردية وينامون” المرسلة العام 1050 ق.م إلى جبيل؛ لشراء خشب الأرز لبناء سفينة تنقل تمثال آمون إلى تانيس.

التاريخ الفكري الثقافي بدء باختراع الأبجدية الفينيقية، المنقوش 19 حرفاً منها من أصل 22 على ناووس “احيرام” الذي يُعد بعدما تم اكتشافه العام 1923 من أبرز الأحداث في تاريخ الأبجدية ويحفظ حالياً “بالمتحف الوطني في بيروت” إلى جانب “اختطاف أوروبا” المحفوظة المكتوبة منذ العهد الرومانية الموجودة أيضاً في المتحف.

شكل احتلال جيش الاسكندر الأكبر لمدينة جبيل العام 330 ق.م خسارة لهويتها الكنعانية ومنذ ذلك الوقت أطلق عليها الإغريق اسم “بيبلوس” المنشق من ببليون اليونانية “المدينة الأم للكتابة” بدل من اسمها “جِبَل”، الذي اعطي للكتاب المقدس “la Bible “، ليستقروا الصليبيين بعدها في المدينة العام 1104 ويقوموا ببناء قلعة مستخدمين حجارة حضارات سابقة.

السياحة في جبيل

في كل موسم تترك هذه المدينة بصمة، ففي الشتاء لا تخلو من السياح الذين يأتون لرؤية زينة الميلاد.

 “إيد بأيد” تحتفل جبيل بالعيد، مثلما قال رئيس بلدية المنطقة وسام زعرور في احتفالٍ كبير لعيد الميلاد 2022 في الشارع الروماني تملئه ترانيم تشعل روح المحبة والسلام متميز بالشجرة الميلادية، هي التي أضيئت في المرة الأولى العام 2010 حتى وصلت للعالم أجمع ليتم اختيارها في العام 2014 بحسب صحيفة “The wall street journal”  لتحل المرتبة الثانية بعد الشجرة البرازيلية بين أجمل أشجار الميلاد في العالم، وتتأهل بعدها للمرتبة الأولى عالمياً في العام 2017 بحسب موقع “The blonde salad”.

“الجميل أن مدينتنا تمكنك من القيام بأنشطة سياحية مختلفة في اليوم الواحد”، هذا ما قاله أحد أبناء المدينة رواد شقير لذلك نستعرض هذه الأنشطة بشهادة من ابن المنطقة.    

السوق القديم

تبدأ الجولة من السوق الذي يقع في قلب المدينة تتنقل فيه مشياً على الأقدام مسحوراً بما يضم من قدسية حضارية-عصرية، بداخله أسواق تجارية يمكنك أن تأخذ منها أفضل الهدايا التذكارية من الألبسة والحرف يدوية وفينيقية التي أعيد تصنيعها إلى العباءات والمنحوتات الخشبية. يعود هذا السوق إلى نهاية القرن التاسع عشر؛ كان آن ذاك معبراً لعربيات الخيل التركية هو مقصد للجميع في النهار، ليتحول بعد الساعة السادسة مكاناً شبابياً للسهر ليلاً.

متحف السمك

إن تراث الحياة البحرية يشكل حلقة مهمة، لهذه المدينة فرادة ليس على الصعيد البشري فقط وإنما في الكشف عن تطور حياة الكائنات خصوصاً الأسماك. فما تحتويه جرود جبيل من أنواع أسماك نادرة جعل المديرية العامة للآثار ومنظمة اليونسكو ونادي “روتاري”، تتظافر جهودهم لإنشاء متحف المتحجرات الذي افتتح 4 نيسان 1997. المتحف يضم 25 جناحاً موزعة في قاعتين يتم في الأولى عرض لتطورات مرت منذ العصر الجيولوجي الثاني مع أجنحة تضم المتحجرات النباتية والأسماك ليسكن في القاعة الثانية رأس ديناصور.

متحف الشمع

شيد على مقربة من متحف السمك، أول متحف شمعي في لبنان افتتح العام 1970 ويضم أكثر من 120 تمثالاً من الشمع تمثل شخصيات لبنانية بارزة، يستقبلك منها تمثال الأديب جبران خليل جبران، بالإضافة إلى بعض المشاهد المستوحاة من الأساطير والأحداث التاريخية المتعلقة بالمنطقة.

قلعة جبيل

كل حجر فيها يروي قصة تعاقب الحضارات حتى يلتقوا في مكان تراثي واحد تحت مسمى “قلعة جبيل”. عرفت بالقلعة الصليبية هي نفسها كانت تسميتها القلعة الفارسية  قبل أن يقوم الصلبيين بإعادة بنائها على أساس البنى القديم، بمجرد دخولك أيها الزائر يأخذك درج طويل  لعالم عريق  والمسرح الروماني وبقايا بيوت من نهاية الألف الرابع قبل الميلاد، ومدافن ملكية التي اكتشفت بالصدفة العام 1922؛ بسبب الأمطار التي أحدثت انهيار أرضي وفي هذه المدافن وجد مجوهرات مصرية عديدة، بالإضافة لوجود ثلاث كنائس “سيدة النجاة، والبيزنطية، و يوحنا المعمدان”  مع مسجد صغير تم انشائه العام 1648. إن كل هذا الزخم الموجود في مكان واحد يعبر عن نقطة تلاقي لميراث رفيع.

يجاور القلعة منزل بنيَ منذ أكثر من مئة عام، لمالكه عثمان الحسامي، وهو الوحيد الذي أبقى عليه الفرنسيون قائماً بعد طرد أصحاب البيوت الأخرى في أواخر القرن العشرين للتنقيب عن الآثار تحتها حيث يعتبر أهل المنطقة أن المنزل “مسكون”.

مرفأ مدينة جبيل

تميزت جبيل بالمرفأ التاريخي وبقايا السور التي تحيطه منذ القرون الوسطى. هذا المرفأ الذي يعتبر كمصدر رزق لسكان المنطقة وتسلية لممارسة موهبة الصيد أو التجول في السفن، بالإضافة لعنصر جذب للأفراد كي يجلسوا في المطاعم المجاورة بعد جولة سياحية ، ويتحول هذا المرفأ في الصيف لقاعة مهرجانات تستقطب المغنيين المشاهير.

لماذا بيبلوس؟

لأنها حاضنة للحضارات وعرفت منذ القدم بتألقها في التجارة والثقافة. هي التي لقبت بعاصمة السياحة العربية لعام 2016 إلى جانب تميزها وحصولها على ألقاب المتعلقة بزينة الميلاد. هي المدينة الأقدم والأمتن، في زيارتك ترى جمال متكامل في مكان واحد كيفما دارت الأحوال لا يخف رونقه، إنها مليئة بالمفاجآت “مشاريع كثيرة نحضّر لها في العام الجديد وجميعها قيد الدرس” هذا ما كشف عنه رئيس البلدية زعرور خلال الاحتفال وإنه لمشوق أن يتعرفوا عليها السياح، إلا أن المفاجآت ليست في مقر المدينة فقط وإنما أيضاً في ضيعها. هنا نتحدث عن وسط وجرود جبيل عن المناطق التي تروي أسطورة أدونيس وعشتروت ومصرعهما في زمن الفينيقيين وحكايا أخرى تنطق بها كل قرية من القرى الجُبيلية نتعرف عليها، فما المدينة إلا انطلاقة لخبايا “ضيعوية”.