الرئيسية » سياحة بيئية » وادي قنوبين … مغامرة تستحق التجربة
وادي قنوبين المقدّس
وادي قنوبين المقدّس

وادي قنوبين … مغامرة تستحق التجربة

نيفين عمران

وادي قنّوبين أو وادي قاديشا وهو من أكبر الوديان في لبنان وأكثرها جمالاً، يقع في قضاء بشري في شمال لبنان ويبعد عن العاصمة بيروت 131كلم ويعتبر من أعمق الوديان، على ارتفاع 1500م عن سطح البحر يجري في عمقه نهر قاديشا الذي ينبع من مغارة تقع عند أقدام أرز الرب التي تشرف عليها القرنة السوداء.

وهو معروف بطبيعته البرّية الخلابة والغنية بما يفوق الـ900 صنف من الأشجار والنباتات، وما إن تخطي الخطوة الأولى في الوادي حتى يغوص فكرك بالسلام والجمال الذي ينعم به لبنان  خاصة وأن الأفواج السياحية تتدفق من جميع أنحاء العالم إلى هذه المنطقة، وخصوصاً خلال فصل الصيف.

الطريق إلى وادي قنوبين  

الدرج الصّخري في وادي قنوبين
الدرج الصّخري في وادي قنوبين

تختلف نقطة الانطلاق للوصول الى منطقة وادي قنوبين ولكن في النهاية الوجهة واحدة، فيمكنك اختيار طريق منطقة ديمان أو ممكن أن تفضّل منطقة حوقا مثلاً ، فإذا بدأتَ جولتك من منطقة حوقا الواقعة بين بلدتي بشري واهدن سيكون اختيارك هو الأصوب لأنك من خلال هذا الطريق ستنغمس في جمال الطبيعة الساحرعبر طريق متعرّجة تصل من خلالها الى طريق شديدة الانحدار وتأخذك الى قلب الوادي.

ستبدأ رحلتك الإستكشافية بتحدي تجاوز الدّرج الصّخري الذي سيزيدك خوفاً كلما تقدّمت فإنتبه من التزحلق، أثناء الرحلة لن تستطيع أن تُبعِد ناظريك عن اللّوحات الأسطوريّة الّتي رسمتها أنامل الخالق فستكون في حالة من الدهشة أمام جمال هذه المنطقة، وصلنا إلى المحبسة وهنا يختار النّاسك أن يكون حبيساً داخل المكان يسلّم نفسه للتنسُّك والتّقرّب من اللّه بعيداً عن الحياة الخارجيّة.  ثمّ ستُكمل لتصل إلى “دير سيّدة قنّوبين” وهو الأقدم في الوادي اذ  يُعتبر المنرل الدّائم لثلاثة راهبات تهتم بكل ما يخصّه من ترتيب وتنظيف وتقضي معظم الوقت بالصّلاة والحفاظ على الحياة الرّوحيّة.

 أثناء سيرك ستتمتع بالمناظر الربيعية التي تمتزج بزقزقة العصافير، وخريرمياه نهر قاديشا الجارف لغزارة شلالات المياه الهادرة إليه من الأعالي جرّاء ذوبان الثلوج، وشمّ رائحة الوزّال البرّي التي تعبق في وادي قنوبين المقدس ممزوجةً بروائح البخور المتصاعدة من الأديار والمناسك والمحابس لذلك يجب أن لا تتردد في التقاط الصور أمام كل محطة من محطات وادي قنوبين لتكون ذكرى جميلة تعيدك إلى كل لحظة في رحلتك الاستكشافية وهنا تكون قد انتهت رحلتك بنجاح التي بالتأكيد ستتكرر من نقطة انطلاق أخرى فأسرار الوادي كثيرة.

مغاور وادي قنوبين المميزة

تكثر في وادي قنّوبين المغاور والكهوف المميزة التي سكنها بطاركة وقديسيون وحولوها من صخور إلى مغاور صامدة حتى اليوم في وجه كل العوامل الطبيعية ، هذا الوادي الذي حظي باهتمام واسع من جهة الخبراء والناشطين البيئيين، الذين تعاونوا مع «رابطة قنوبين للرسالة والتراث» و«الجمعية اللبنانية للأبحاث الجوفية»، وتمكنوا من اكتشاف سلسلة مغاور ومحابس طبيعية سكن فيها من قصد الوادي هرباً من الاضطهاد تم :إدراجه على لائحة التراث العالمي ومن أهم المغاور التي تم اكتشافها

مغارة الغفران: وهي من أكبر وأهم المغاور، يبلغ علو فتحتها في التجويف الصخري الشاهق 16 متراً بعرض 4 أمتار. في داخلها ترسّبات مائية متحجرة بأشكال رائعة متعددة الأحجام، تتوّزع على ثلاث طبقات. وتحيط بالمغارة أشجار الزيتون المعمّرة ونباتات برية شائكة وأمامها درج مبني بحجارة صخرية يوصل اليها.

 مغارة الملاك: وهي المغارة التي ممكن أن نسميها مغارة الألوان حيث يوجد في داخلها لوحات رائعة الألوان لا مثيل لها في أي من مغاور وادي قنوبين، فيها ترسبات مائية متحجرة بألوان زاهية، من الأزرق والأصفر والأخضر الداكن. والصعود اليها خطير خصوصاً في فصل الشتاء عندما تغطي الثلوج الكثيفة المعبر الضيق الذي يقود اليها صعوداً.

مغارة القربان: تتميز هذه المغارة بأحجارها الرملية التي تتدرج أقسامها من الخارج الى الداخل على شكل مذبح للصلاة، وتتدلى من سقفها وعلى واجهتها الخارجية نباتات برية وغرسة بطم صغيرة.

أهم معالم وادي قنوبين

دير مار اليشاع القديم
دير مار اليشاع القديم

دير سيّدة قَنّوبين : وهو من أقدم وأهمّ الأديار الأثرية الموجودة في هذا الوادي، استمر الكرسيّ البطريركيّ للكنيسة المارونية من القرن الخامس عشر حتى التاسع عشر، مؤسس هذا الدير، بِحَسب تقليد الكنيسة المارونية، هو تاودوسيوس الكبّادوكي في القرن السادس، أمّا تقليد الكنيسة السِريانية اليعقوبية، فيذكر أن الأمبراطور تاودوسيوس الأول، في القرن الرابع، هو الذي بنى أول كنيسة في جبل لبنان وهي كنيسة سيّدة قنّوبين.

داخل هذا الدير يوجد صورة  “المسيح الضابط الكلّ” و صورة للنبي دانيال ملقى في جبّ الأسود. وعلى الحائط الشمالي توجد صورة للسيّدة العذراء يتوّجها الثالوث الأقدس، وهي جدرانية تُسمّى “نياح العذراء”، وتشكّل تحفة الكنيسة، إذ تتجلّى فيها السيّدة العذراء بثوبها الأرضيّ ووشاحها السماويّ واصلة بهما ما بين دائرتي الأرض والسماء.

دير سيّدة حَوقا: «جوهرة وادي قنّوبين» كما لقّبه أحد علماء الآثار، هو عبارة عن مغارة ذات تجويف ضخم بني فيها دير يعود تاريخه إلى 1283 م، وقد بناه إبن الصَّبحا، من قرية كفرصغاب، تكفيراً عن ذنوبه  أثناء حملة المماليك على جبّة بشرّي عن كيفية الإيقاع بالموارنة المتحصّنين في عاصي حوقا،وفي هذا الموقع مغارة طبيعيّة يبدأ إمتدادها فوق المستوى الأعلى للدير.

دير مار اليشاع القديم: يعود وجود هذا الدير إلى حقبة تاريخية غير محددة، وهو عبارة عن مغارة محفورة في الصخر. يقع في اللحف الشمالي لأعالي وادي قنّوبين، في باطن جرف صخري شاهق، تحت مدينة بشري ويشرف على نهر الوادي المقدّس،أقدم وثيقة عنه تعود إلى سنة 1315 م، وهي نشرة صادرة عن الدير المذكور تفيد “أن هذا الدير المشيّد على إسم مار اليشاع النبي، قديم جداً”، فهو ولا شك موجود قبل محبسة مار سمعان العامودي التي بّنيت سنة 1112 في قلب الصخر تحت بلدة بقرقاشا. وهذا الدير، حسب البطريرك العلاّمة إسطفان الدويهي (1670-1704) والمستشرقين الكثر مثل الأب سلستينو الكرملي وغيره،يحيط بهذا الدير عدد  من التجويفات، وتعتبر منطقة دير مار اليشاع غنية بالمحابس الأثريّة، حالة الدير ممتازة، وهو في عهدة الرهبانية المريمية، ويشهد نشاطاً مميزاً.

أبو جوزيف – أشهر مطعم في وادي قنوبين

 مطعم أبو جوزيف في وادي قنوبين
مطعم أبو جوزيف

تشتهر منطقة وادي قنّوبين بالعديد من المطاعم والمقاهي الموجودة على ضفاف النهر وذلك لأنها تعتبر منطقة سياحية من الطراز الأوّل بالنسبة للبنانيين والسيّاح فإذا كنت تريد تمضية نهار الأحد مع العائلة أو الأصحاب  مطعم أبو جوزيف سيكون بانتظارك اذ يعتبر من أكثر المطاعم شهرة في منطقة وادي قنّوبين، هو ذلك المطعم المتواضع داخلياً وخارجياً يطلُّ على منظر من أجمل المناظر في الوادي ، يقدّم أبو جوزيف صاحب الوجه البشوش ألذ اوأشهى المأكولات والمشروبات على أنواعها.

تتنوّع أطعمة أبوجوزيف منها المقبّلات كالحمّص بالطحينة، الشّنكليش، السّلطة وغيرها. لنأتي للأطباق الرئيسيّة كاللّحوم النّيئة الممتازة أو المشويّة والتّبولة الشّهيّة… بالإضافة إلى استخدامه أحياناً أواني وطرق تقليديّة في الطّهي تشجعك كزائر على تذوّق أشهى الأطباق من صنع يديه.

أما أبرز ما يلفتك ويشعرك بالسعادة وجود باصات صغيرة تأخذك في رحلة من العمر تدوم نصف ساعة لتصل في النهاية إلى مطاعم وادي قنوبين .من بينها مطعم أبو جوزيف الذي يمتلك أيضاً شاحنة صغيرة ملوّنة ومزخرفة لأخذ الزائرين وخاصة الأطفال في جولة  ممتعة في المنطقة

وفي الختام، وادي قنوبين هو المكان الذي يستحق زيارتنا له بل والإعتناء به على أكمل وجه لأنه لوحة أسطورية يجب الحفاظ عليها، لذا أتمنى من جميع المعنيين الاهتمام بالوادي المقدس باعتباره معلم سياحي مهّم ومقصد للعديد من السيّاح العرب والأجانب كما أنه وُضع ضمن قائمة التراث .الإنساني العالمي لما يحويه من جمال الطبيعة من جهة وتناغم الإنسان معها من جهة أخرى

عن نيفين عمران

اعلامية في قناة اي وش الكويتية على اليوتيوب أقدّم تقارير سياسية واقتصادية ولدي بعض التقارير عن السياحة، خريجة كلية الإعلام في الجامعة اللبنانية وحالياً أكمل المسار التخصصي في شهادة الماجستير في الإعلام الرقمي .