آية درنيقة –
رائع وطني بكلّ ما فيه، عظيم بشتّى أوصافه، جميلٌ بطبيعته، وساحر بتنوّعه، وكان وصفه بقطعة سماء تعبير إبداعيّ بامتياز واذا قلنا عنه قطعة من الجنّة لا نبالغ في وصفه،ففي أحضانه تتواجد فاريا، مكاني المفضّل وملاذي الأجمل.
موقعها واسمها
تقع قرية فاريا في منطقة كسروان[2] ، محافظة جبل لبنان على ارتفاع 1850 إلى 2465 مترا عن سطح البحر. تبعد عن العاصمة بيروت 44 كم أي حوالي ساعة.
تمتلك إطلالةً خلّابة على وادي البقاع، جبل حرمون، قمم الأرز، اللقلوق وغيرها، إضافة إلى رؤية المدن السّاحلية من على تلالها. أصل كلمة فاريا فينيقيّ، ومعناه أرض الفاكهة و الخضار، وقد نسب اسم فاريا إلى هذه القرية بسبب خصوبة تربتها وأرضها.
أهميتها
ككلّ أماكن السّياحة في لبنان، تعتبر فاريا منتجعًا لبنانيًا سياحيًا مهمّا، ونقطة جذب للسيّاح طيلة أيام السّنة، خاصة منذ بداية شهر ديسمبر وحتّى أوائل شهر أبريل حيث تلبس ثوبها الأبيض، تتزيّن بأبهى حلّتها المنتظرة كلّ عام،تستعدّ لاستقبال السّياح اللبنانيين منهم والأجانب الذين يفدون إليها بشوقٍ ولهفة منتظرة من العام إلى العام.
تستقبل هذه القرية محبي الثّلوج، وتعتبر وجهة أساسيّة للمتزلّجين، إضافة إلى الأنشطة والألعاب الشّتوية المتنوّعة. أمّا في الصّيف فهي وجهة محبّي التّخييم والنّشاطات الجبليّة والعطل العائلية الهادئة. و يقصدها النّاس والسيّاح لقربها من منطقة بيروت حيث يمارسون هواياتهم ويعودون في اليوم نفسه[3] .
فاريّا في الشّتاء
في كلّ عام أنتظر وعائلتي الموسم الشّتوي حتى نقصد هذه القرية لنستمتع بالوقت مع العائلة ونمارس موهبة التّزلّج برفقة الأصدقاء لا سيّما وأنني من عشّاق التّزلّج.
تحتوي فاريا على حوالي 42 منحدر و80 كم من المسارات الخاصّة بالتزلج[4] . وأذكر جيّدا في بداية زياراتي للقرية كنت من المبتدئين في التّزلّج حيث بدأت رحلتي على المنحدرات السّهلة الخاصّة
بالمبتدئين، ولمن لا يعرف عن فاريا فسأصفها لكم كي تكون الصّورة واضحة أمامكم وكأنّكم تجولون معي في دروبها هذه المنطقة السّياحيّة تحتوي على 24 منحدرًا من مختلف المستويات ابتداء من أسهلها إلى أصعبها والتي يبلغ طولها2 كم، وهذه الميزة تسمح للجميع بالاستمتاع، من أطفال ، شبّان وكبار، مبتدئين ومحترفين يتسابقون مع الثلوج، يحلقون في الهواء متباهين بحركات بهلوانية مختلفة، يتشاركون السّباق يفرحون بأوقاتهم، وتتداخل أصوات ضحكاتهم مع صيحات الآخرين من هنا وهناك.
يكثر المتزلّجون في أعالي فاريا، أصغرهم بعمر ال 14 عامًا تقريبًا. يتمايلون ويتزحلقون على الثّلوج على أنغام الموسيقى. وكما كنتُ وعائلتي في زيارتنا الأولى نحمل هم الأطفال الصّغار كذلك الكثيرين. لكننا استدللنا على حديقة الثّلوج في فاريا والتي تقع تحديدًا في المزار وقد صممت هذه الحديقة خصّيصًا للأطفال الصّغار وجهّزت بأحدث وسائل التّعليم و التّسلية، وزوّدت بفريق يعمل على تدريب الأطفال على التزلج أيضًا، وهي متاحة يوميًا من الثّامنة صباحًا حتى الثّانية ظهراً، ما يعطي العائلة وقتًا كافيًا للاستمتاع، فبالتّالي لا خوف على الصّغار حتّى في تلك البقعة البيضاء التّي تنبض بالحياة .
بدأت في السّنوات الأولى بممارسة التّزلج بمساعدة والدي إلى أن أصبحت شيئا فشيئا متزلّجة محترفة حتى في أصعب الأماكن. ومن ثم انتقلت لتعلّم ألعاب أخرى كرياضة السنو بورد أي التّزلج على الألواح الكبيرة و رياضة الراكيت التي تُلبس فيها أحذية مخصّصة تربط بالأقدام وتمشي على الثلوج .
و بالطّبع إن كنتم تفكرون بزيارة هذه المنطقة السّياحيّة الفريدة ستتساءلون كيف لكم أن تحصلوا على ألواح، أحذية وأدوات التزلج؟!.
تتوفر كافّة سبل الرّاحة للضّيف هناك، حيث تكثر المحال المختصة ببيع أو تأجير معدات الرّحلة الثّلجية على أنواعها لكافة الأعمار، فضلًا عن وجود سيارات الأجرة التي توصلك إلى وجهتك تمامًا. ولا ننسى المطاعم و محلات السناك على أنواعها و التي لا تقدم المأكولات اللبنانية فقط، بل كافة أنواع الأطعمة الأجنبية كالسوشي وغيرها[5] .
أمّا بالنّسبة للّذين يقصدون فاريّا لأيامٍ عدة فهناك خيارات متعدّدة كالفنادق الفاخرة التي تضمّ أرقى الغرف و الخدمات، إضافة إلى الشاليهات الخاصّة والعائلية والجلسات الرّائعة المجهّزة لمحبي المواقد والجمعات و السّهرات الطّويلة.
هناك سبل الأمان متوفّرة، فتجد غرفا للإسعافات الأولية، وأشخاصاً مدرّبين لإنقاذ ومعالجة المصابين اذا ما تعرّضوا لحوادث معيّنة.
منذ أن زرتها للمرة الأولى في صغري واستمعت بقضاء الوقت في أحضان هذه القرية، صارت فاريا الوجهة السّنوية الأساسية التي نقصدها صيفًا شتاءً وننتظر وفودنا هناك وكأنّه يوم عيدنا الأعظم [6] .
فاريا في الصيف
إضافة إلى كونها من أهم وأرقى المناطق اللبنانية السياحية في فصل الشتاء، يقصد الكثير من الناس – وعائلتي من ضمنهم – فاريا في الصيف أيضا[7] ، لما فيها من شاليهات عائلية هادئة ممتعة ومطلة، ولما فيها من أنشطة جبلية ترفيهية بعيدًا عن ضجيج المدينة وتلوثّها.
بين أحضان الطبيعة و الأشجار في فاريا يتسلق هواة الطبيعة الجبال صيفًا، يستريحون تحت ظلال الأشجار و يستنشقون هواءً نظيفًا صافيًا. كما وتنظّم رحلات يومية وأسبوعية إلى فاريا في فصل الصّيف من أجل التخييم وتسلّق الجبال والاستمتاع بممارسة الأنشطة الصيفية على أنواعها.
هذه القرية السّياحيّة راحة نفسيّة دون أدنى شكّ، في فصول السّنة الأربع تستطيعون زيارتها والتلذّذ بالرّاحة وقضاء الوقت الممتع هناك، تختلون بمن تحبّون بعيدا عن ضوضاء الحياة وعناء العمل، وإن كنتم من روّاد التّزلّج والمغرمين بالثّلوج وأجواء المواقد والشّتاء أنصحكم بزيارة فاريا لأنّها حقّا مكان لا يمكن للهواة ان لا يزوروه ويخلّدوا في أعماق ذاكرتهم لحظات لا يمكن أن تنسى في مكان أشبه بربوع الجنّة.