الرئيسية » حرف/تراث » البيوت التراثية اللبنانية: من الطين إلى القناطر والقرميد 
البيوت التراثية اللبنانية - مصدر الصورة من موقع الجزيرة
البيوت التراثية اللبنانية - مصدر الصورة من موقع الجزيرة

البيوت التراثية اللبنانية: من الطين إلى القناطر والقرميد 

-جويل حبيب-

في البدء كانت عمارة البيوت اللبنانية تعتمد على الطين، ومن ثم أتت القناطر لتزيّن الواجهات، وتلاها القرميد حيث أصبحت السطوح حمراء مزهوة بلونها وجلالها. وهندسة البيت اللبناني تعدّ هندسة تراثية نتيجة تفاعل حضاري بين سكان المنطقة الأصليين، وبين حضارات الشعوب التي كان لها دور فيه خلال مراحل متعاقبة من التاريخ. وفي هذا المقال سنقوم بجولة على البيوت التراثية اللبنانية

البيوت التراثية من أيام الفينيقيين

البيوت التراثية من أيام الفينيقيين
مصدر الصورة من ويكيبيديا
البيوت التراثية من أيام الفينيقيين
مصدر الصورة من ويكيبيديا

تتمثل بالبيت الكنعاني الفينيقي ما قبل الألف الثالث ق.م.، الذي كان مستطيلًا قليل العرض والارتفاع منعاً للالتواء. لكن في مرحلة لاحقة، ازداد ارتفاع الجدران، وأصبحت مبنية بحجارة منتقاة بأشكال منتظمة إجمالًا. وكانت واجهاتها الداخلية والخارجية تغطى أحيانًا بالطين. وفي مرحلة ثالثة، حافظ المسطح على شكله المستطيل، لكن مساحته اتسعت، وأصبح يضم بهوًا مركزيًا يحيط به عدد من الغرف المتصلة بالخارج عبر النوافذ. وقد استعملت الصخور المقصبة لبناء الجدران، ووضعت في الزوايا الحجارة الكبيرة الصلبة التي حملت السقف، ومن هنا لاحت في أفق البيت التراثي اللبناني فكرة العمود الحجري.

البيوت التراثية العباسية

البيوت التراثية العباسية
مصدر الصورة من موقع أخيرة
البيوت التراثية العباسية
مصدر الصورة من موقع أخيرة

مع إطلالة القرن الثامن الميلادي، جاء العباسيون وشجعوا القبائل العربية على الهجرة إلى لبنان، بعدما كان الأمويون قد اتخذوا من مدينة عنجر في البقاع عاصمة صيفية لهم. فأعادوا استعمال الصحن الداخلي المكشوف، وادخلوا نظام القناطر ليحل مكان الأعمدة والجسور الخشبيّة الحاملة. وتأثر البيت التراثي العباسي أساسًا بالتقليد الفارسي، من حيث احتوائه على الليوان وهو غرفة مفتوحة على الخارج بشكل قبوة مهدية تتوسط غرفتين سكنيتين. ففي الصيف يؤمّن الليوان فسحة منعشة لطيفة لسكان البيت، وفي الشتاء يتحول إلى مدخل مسقوف يفضي إلى الغرفتين السكنيتين. وقد حافظ البيت العباسي على الشكل المستطيل، غير أن فخامته وأهميته اختلفتا باختلاف حال أصحابه. فالبيت المتواضع ذو السقف الطيني للفقراء، والبيت الكبير المؤلف من تقاطع مستطيلين متعامدين أمامهما صحن وسطي للميسورين. والتطور النوعي البارز الذي شهده هذا البيت، هو دخول القبوات المهدية والعقود المصلّبة التي حلّت محل الجسور والأعمدة الخشبية في البيت القديم أو مكان القناطر في البيت الأموي.

البيت التراثي من الخان

البيوت التراثية من الخان
مصدر الصورة من موقع الجيش اللبناني
البيوت التراثية من الخان
مصدر الصورة من موقع الجيش اللبناني

حصل في البيت التراثي اللبناني تطور آخر تمثل بالتأثير المملوكي، حيث عاد الصحن الداخلي ضمن إطار «الخان». والخان هو مجموعة من خلايا سكنية ومحال تطل على صحن داخلي، وحجمه يدل على أنه ليس معدًا لعائلة واحدة. وقد شاع هذا الطراز وتجذّر عميقًا في عمارة البيوت اللبنانية. وتحول الصحن الداخلي من فسحة خاصّة في المسكن الروماني القديم إلى فسحة عامة فيه. وانبثق من هذا الطراز البيت الذي يتضمن رواقًا مسقوفًا على واجهته قناطر، فبدا كأنه جزء من خان.

التأثير الأوروبي على البيوت التراثية

التأثير الأوروبي على البيوت التراثية
مصدر الصورة من مجلة سيدتي
التأثير الأوروبي على البيوت التراثية
مصدر الصورة من مجلة سيدتي

ومع قيام الإمارة المعنية في لبنان في القرن السادس عشر، تأثر البيت اللبناني بالفن المعماري التوسكاني كنتيجة للانفتاح على الحضارة الإيطالية. فعاد إلى مسطّح البيت البهو الداخلي الذي ينتهي بثلاث قناطر بدلًا من القنطرة الواحدة. ومع وصول الأمير بشير الثاني الشهابي إلى سدة الحكم، أضيف القرميد المستورد من مرسيليا في فرنسا. وترسخت هذه الصورة في مخيلة الناس حتى باتت ترمز إلى البيوت التراثية اللبنانية.

وعلى خطٍ موازٍ مع بيت القرميد، ظهرت عناصر زخرفية تحت تأثير المرحلة العثمانية من جهة، والكلاسيكية المحدثة على مستوى الواجهة من جهة أخرى. فاتّصال الطبقتين في المنزل الواحد، وأصبح بدرج داخلي في البهو المركزي، ولم يعد كما كان سابقًا بدرج خارجي. أما الفسحة الخارجية – الداخلية، فتحولت إلى مجال مشترك بين عدة كتل. ولم يغب تأثير الانتداب الفرنسي عن البيت اللبناني، فقد ولدت نزعة الاستقلالية لدى أفراد العائلة الواحدة تحت عنوان الخصوصية. فخف لقاؤهم في البهو، وانعكس هذا الحال تقلصًا في حجمه.

الموروث والمقتبس في أسلوب لبناني

الموروث والمقتبس في أسلوب البيوت التراثية البنانية
مصدر الصورة من موقع الجزيرة
الموروث والمقتبس في أسلوب لبناني
مصدر الصورة من موقع الجزيرة

لقد شكّلت البيوت التراثية اللبنانية في مراحل تطورها، مزيجًا رشيقًا من الموروث والمقتبس. فتأثر عمارة البيت اللبناني بما حملته إلى أرضه الحضارات المتعاقبة لم يكن مجرد استنساخ. لأنه تم اقتباس ما دخل على لبنان بواسطة تجاراته وعلاقاته مع البلدان الغربية من البحر المتوسط، وتم مزجه بما ورثه عن الفن العربي، وأوجد بذلك أسلوبًا لبنانيًا صحيحًا انتشر استعماله عند جميع الطبقات. وبذلك تأسست تلك المدرسة اللبنانية التي تمتاز برشاقتها وحسن ارتباطها وتوازن أعضائها بعضها ببعض. وكما في كل بيوت العالم، قديمًا وحديثًا، كان الجدار في البيت اللبناني التراثي الخط المعماري الأول. وقد توافق مستوى شكله مع المناخ والظروف ووسائل العمل والخبرة الإنسانية والتطور الاجتماعي والطوبوغرافي والجغرافي. وهذه العوامل حددت خاصية البيت كوحدة سكنية متكاملة ومتلائمة مع الطقوس اللبنانية وأعرافها وقيمها. كذلك مع طبيعة الإنسان اللبناني وإحساسه الروحي والمجتمعي والنفسي والجمالي.

البيوت التراثية اللبنانية - مصدر الصورة من موقع الجزيرة

عن جويل حبيب

.جويل حبيب إعلامية وناشطة اجتماعية .خريجة كلية الإعلام الجامعة اللبنانية .حالياً تكمل مسارها التخصصي في شهادة الماستر في الإعلام الرقمي عملت مذيعة على الشاشة الصغيرة وانتقلت بعدها إلى شاشات الهواتف الذكية .بفقرات حياتية يومية متنوعة .ناشطة مع عدد من الجمعيات غير الحكومية وأبرزها تحالف متحدون من أجل لبنان تعمل مع وكالة أنباء آسيا كمنسقة إنتاج.