قصر سرسق رحلة بين الماضي والحاضر:

مروى عزالدين

لا يتميز لبنان بتقديمه خدمات ترفيهية عالية المستوى لزوّاره فقط،بل يمتلك لبنان وجهاً حضارياً وثقافياً يتجسّد في إمتلاكه عددا من المتاحف وخاصة في منطقة بيروت. وتعتبر تلك المتاحف خليط متجانس بين الماضي والحاضر،وتقدّم لنا فكرة واضحة عن تاريخ لبنان وعن مجريات الأحداث التي عصفت به. فسنقدم في هذا المقال صورة عن أحد أهم المتاحف أو القصور الموجودة في بيروت وهو قصر سرسق.

إطلالة تاريخية عن قصر سرسق:

يعتبر هذا القصر من أجمل المتاحف التي يمكن أن تراها في بيروت عزيزي السائح. قصر سرسق هو قصر أثري لبناني بناه نقولا سرسق عام 1912،وهبه بعد وفاته في عام 1952 إلى بلدية بيروت،على ان يتحول متحفاً للفنون الحديثة والمعاصرة كما ذكر في وصيّته، حيث اشترط في هذه الوصيّة أن يكون رئيس بلديّة بيروت مُشرفا على المتحف،وأن تُدير شؤونه نخبة من الشخصيات البيروتيّة.

فقد تحوّل القصر إلى متحف يضم قطعاً من الأثريات والمقتنيات الثمينة التي وجدت في القبو منذ فترة، كما يضم مجموعة قطع وأعمال فنية إسلامية. ومن عام 1961 وحتى اليوم ينظم فيه الكثير من المعارض الفنية والأدبية لعدد كبير من الفنانين اللبنانيين والعالميين.

موقع القصر:

يقع قصر سرسق على هضبة حي الأشرفية في مدينة بيروت العاصمة . ويمتاز قصر سرسق بقربه من العديد من المعالم التاريخية والطبيعية البارزة مثل صخرة الروشة وكورنيش بيروت،وغيرهم من الأماكن السياحية المميزة.

اذا اردت معرفة موقع قصر سرسق بشكل تفصيلي، اضغط هنا:

أقسام قصر سرسق:

دخول القصر والتجوّل في أقسامه هو عبارة عن  رحلة عبر الزمن. هنا معرض يضم لوحات ومخطوطات عن تاريخ مدينة بيروت، وفي قسم آخر صورا قديمة تحاكي التراث اللبناني.

فعند وصولك أيها السائح الى قصر سرسق المكون من ثلاث طوابق،ستشاهد أثناء دخولك تصميمه الخارجي الذي يمزج بين العديد من الفنون المعمارية للحضارات القديمة،وزجاجه الملوّن الذي يكسر رتابة الطلاء الأبيض. وعند دخولك إلى القصر ستشاهد ممرّاته الفخمة وغرفه المقسّمة المحيطة بالأعمدة المنحوتة ،والجدران المزخرفة بأجمل النقوش، ومجموعة من التحف والآثار التي تعود الى مختلف الحضارات القديمة التي مرّت على لبنان كالفينيقية والإغريقية.

فتضمّ الغرف أنواعا مختلفة من اللوحات الفنية لأشهر الفنانين اللبنانيين والعالميّين، ومجموعة أخرى من معروضات العصور الإسلامية من مخطوطات وأسلحة ومصنوعات يدوية وغيرها. فتجد مجموعات من الصور الفوتوغرافية واللوحات الزيتية والمنحوتات. يقودك المعرض من المساحات العامة في بيروت الحديثة الى بيروت التراث،فيتابع الزائر تطور المدينة بعيون المستشرقين الفرنسيين.

بالإضافة الى اللوحات الموجودة في القصر،يضم القصر مكتبة تحوي مجموعة من الكتب القيّمة التي تعرض وتشرح تاريخ لبنان وحضاراته وآثاره و إلى جانب هذه المكتبة هناك متجر لبيع الهدايا التذكارية.

وتنتهي رحلة القصر في حديقة مميزة مليئة بالأشجار الضخمة المعمّرة والنباتات الخضراء النادرة والزهور الملونة، كما تضم بعض التماثيل وبحيرات النوافير المائية الرائعة.

وبجانب المتحف،يوجد مطعم مميز يقدّم أشهى وألذ أنواع المأكولات الشعبية والتقليدية المشهورة في لبنان.

قصر سرسق في واجهة الدمار مجددا:

في جزءٍ من الثانية،تم تدمير كل شيء مرة أخرى

هذا ما قاله رودريك سرسق صاحب القصر للمواقع الإخباريّة،وهو يخطو بحذر فوق الأسقف المنهارة ويمشي في الغرف المغطاة بالغبار وسط الصور والرسومات المتضررة.

القصر البالغ من العمر مئة و ستين عاما الذي صمد في وجه حربين عالميتين،وكان شاهدا على سقوط الإمبراطورية العثمانية والإنتداب العثماني و الفرنسي، وإستقلال لبنان دُمّر في حربٍ عبثية لا طائل منها،  فرُمّم  قصر سرسق خلال عشرين عاما  لإعادته الى سابق مجده بعد الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما.

إلا أن هذا الترميم لم يُعِد القصر إلى سابق مجده فترة طويلة، فمستوى الدمار الذي تسبب به انفجار الرابع من آب للقصر يفوق بعشر أضعاف ذلك الدمار الذي تسببت به الحرب الأهلية. فعلى الرغم من الأضرار الكبيرة التي لحقت بالقصر،إلا ان خمسة أعمال فقط من أصل سبعة وخمسين عمل متضرر موجودة في المتحف لم يُتمكّن من إعادتها او ترميمها مجددا بحسب ما قالت مديرة متحف سرسق زينا عريضة.

اعادة ترميم القصر:

لأن التراث لا يموت. بدأ ترميم قصر سرسق منذ فترة ليست ببعيدة بعد توقيع وزارة الثقافة الفرنسية إتفاقا مع متحف سرسق. وأفاد البيان بإعادة ترميم النوافذ والواجهات الزجاجية الملونة وإعادة تأهيل الطبقة الأولى التاريخية للمتحف. بالإضافة إلى ترميم اللوحات المتضررة، ومن المتوقع إعادة إفتتاحه قريبا.

قصر سرسق الذي بني في قلب بيروت يؤكد إصرار لبنان على النهوض رغم كل الأحزان والأزمات،من خلال اقامة حفل موسيقي منذ فترة قصيرة للأوركسترا الفيلهارمونية اللبنانية وكورال جامعة سيدة اللويزة أمام القصر. ويعتبر هذا الحفل تأكيدا على إرادة الحياة لدى اللبنانيين،وتأكيداً على إعادة إحياء وترميم القصر وأعماله رغم كل الأذى الذي لحق به.

سينهض قصر سرسق من جراحه كما فعل من قبل، وسترمم فنونه.

وفي الختام،إن كنت من محبين الآثار والمتاحف أنصحك بقراءة هذه المقالات: