نيفين عمران
كهف الفنون هو متحف من نوع خاص أعاد بنا بالذاكرة إلى زمن الأجداد، إلى التراث والحياة القروية القديمة، يقع في قلب منطقة الجاهلية في منطقة الشوف بمحافظة جبل لبنان، أُنشئ بمجهود فردي من الفنان اللبناني غاندي بو دياب الذي أعاد بناء أقبية عمرها أكثر من ٤٠٠ سنة تعود إلى العهد العثماني، إذ عمل على جمع كل ما له علاقة بالتراث اللبناني عامة والدرزي خاصة في هذا المتحف .
الحلم أصبح حقيقة
عوامل عديدة ساعدت الفنان غاندي في تحويل حلمه إلى حقيقة، طفولته كانت البداية في اكتشاف موهبته ففي عمر السنتين والنصف دخل غاندي إلى المدرسة وطلبت المعلمة يومها رسماً حراً فرسم عاملاً ينقل النفايات على ظهر البغل من هنا توقعت معلمته مستقبلًا فنياً له كما تابع الأهل موهبته حتى أصبح يافعاً وباتت رسومه ترصد واقع القرية اللبنانية بكل تفاصيلها من خلال معايشته القرويين في بلدته .
تعلقه بالطبيعة والحياة القروية منذ الصغر جعله يتفنن في تحويل جذوع الأشجار اليابسة وجذورها والأصداف المتحجرة إلى أشكال فنية مميزة .
كان للإجتياح الإسرائيلي عام 1982 أثـره الفنـي في حياة غاندي بو دياب إذ اكتشف الكهوف القديمة التي اختبأَ بها أهل القرية للإحتماء من القصف، من هنا أصبحت هذه الكهوف هاجساً بالنسبة له وخطر بباله أن يحولها إلى كهوف فنية تستقبل رواد الفن والأدب والشعر والرسم والنحت وطلاب المدارس والجامعات والباحثين عن جذور التراث العريق .
النتيجة ، حلمه أصبح حقيقة من خلال مواكبته للنشاطات الثقافية والفنية وزياراته المتكررة للمعارض والمتاحف كما ساهمت نشأته في بيئة جبلية تراثية تقليدية في خلق روح الفنان داخله .
كهف الفنون بين الماضي والحاضر
حوّل الفنان غاندي بو دياب هذا الكهف من ملجأ كانوا يختبئون في داخله أيام الحرب الأهلية اللبنانية إلى معلم تراثي سياحي فني ثقافي بيئي احتضن الأدوات الفلاحية القروية التي كانت تستخدمها أهالي القرية، يُذكر أنه كان ملك لرجل إقطاعي في الجاهلية حيث كانت تتم هناك لقاءات واجتماعات سريّة بين المتصرفين العثمانيي ووجهاء القرية.
أما فكرة إنشاء المتحف ومراحل تأسيسه أتت حين وجد غاندي الأدوات التراثية المعروضة حاليا بدأت تُفقد بعد أن كانت تستخدم من قبل الجيل أو الجيلين الماضيين لذلك هو يحاول الحفاظ على الأدوات المهددة بالاندثار، مشيرا إلى أنه يعمل على ربط الجيل الجديد بالقديم من خلال كهف الفنون الذي يستنبط الماضي ويظهره بشكل لائق.
ولأن غاندي يميل منذ الصغر إلى اكتشاف الأقبية والمغاور والكهوف دفعه هذا الاكتشاف إلى جمع هذه الثروة المكونة من القطع التراثية والحرفية والأثرية ومنحوتات من الشمع والأحجار والأغصان اليابسة، الى لوحات من الشعر والفسيفساء والرسوم الزيتية لتشكيل مضمون هذا المتحف .
أقسام كهف الفنون
أوضح الفنان اللبناني أن كهف الفنون عبارة عن ثلاثة أقبية: القسم الأول يضم لوحات وأدوات خاصة بالتراث الدرزي فلوحاته معظمها تختص بهذا التراث وهو واضح من خلال اللباس المخصص للرجال والنساء المعروف عند الطائفة الدرزية .
أما أبرز ما يلفتك في كهف الفنون هو مجسم بيروت والسلام العالمي المصنوع من الفسيفساء الذي يتكلم عن العيش المشترك ويضم ١٨ لون أي ما يعني ١٨ طائفة وهذا المجسم يجسد التدمير الذي حصل نتيجة الحرب الإسرائيلية.
القسم الثاني خاص بأدوات الفلاحة والحراثة وأساس المنازل العتيقة ففي حديث مع الفنان غاندي قال : لقد استفدتُ كثيراً من مخلفات الطبيعة إذ أنني صنعت جيتار من الطبيعة فوضعت المفاتيح من غصن الزيتون والأوتار من قضيب التوت، وأكمل : صنعت أيضاً ثريا في عمر العشر سنوات مكونة من أغصان الأشجار وأكواز الصنوبر.
أما القسم الثالث فهو يُعرف باسم بيت ستي فيحوي مفروشات منزلية عربية تراثية قديمة .
الهدف من كهف الفنون
الهدف من كهف الفنون هو استقطاب الطلاب والمثقفين والباحثين عن جذور التراث العربي العريق والسياح لإعطاء صورة إيجابية عن لبنان، أيضاً الحفاظ على هذا التراث الذي لطالما اختفى في أيامنا هذه.
وأضاف : حاولت أن أضع بصمة في التراث الدرزي واللوحات التي تبرز أناساً يعملون في الزراعة، هو دليل على التمسك بالأرض وبالتراث، بالإضافة إلى لوحاتي التي رسمتها عن الخيول العربية والتراث العربي.
بالرغم من العقبات التي واجهها تأسيس متحف كهف الفنون مثل تقصير الدولة اتجاه الفنانين والمبدعين إلا أنه يبقى مقصداً هاما للسياح العرب والأجانب ويلقى احتضانا واسعا من أهالي القرية لذلك دعا بو دياب الوزارات المعنية بالتراث والثقافة والسياحة والمنظمات العربية والعالمية إلى مزيد من الاهتمام بمثل هذه المواقع التراثية القيّمة ودعمه.