الرئيسية » أسرار » معالم بلدة “قصرنبا” الأثرية والسياحية
بلدة قصرنبا السياحية وأثارها

معالم بلدة “قصرنبا” الأثرية والسياحية

إسراء الرشعيني-

تبلغ مساحة لبنان ١٠٤٥٢ مترًا مربعًا، توقف! أنت لم تقرأ الرقم، أنا أعلم، أعد قراءته بعد أذنك، إن كنت تراه رقم مساحة أرض لبنان فقط، فأنت مخطئ؟ هل تعلم لماذا؟ لانه رقم حكايةٍ من ماض سحيق, يختزن في طيّاته تاريخًا بأكمله من حضارات وثقافات وعادات. بقي أثرها جليّا في معالم أثرية وسياحية منثورة على طول لبنان وعرضه. تاريخ يشكل  “ثقافة عز” لأجيال تتغير وتتبدل، تبحث وترصد وتكشف عن تاريخها المميز.

يجمع بين هذه المعالِم الرومانية الأثرية والسياحية,-طابعها البُنياني، وأعمدتها الناتئة، وأروقتها، وزخارِفها، ومنحوتاتها، كتلك المنشورة  من أقصى شمال منطقة بعلبك-الهرمل إلى أقصى جنوبه، ومن شرقة إلى غربه-, المتوجة بقلعتي “بعلبك” و “نيحا” المكشوفتان، ومعالم بلدة قصر نبا الخبيّة وهو جوهر مقالنا.

أين تقع بلدة قصرنبا

تقع بلدة قصرنبا, التابعة لقضاء “بعلبك” والمصنفة كبلدة سياحية من قبل وزارة السياحة (1996), على السفح الشرقي للسلسلة الغربية.  تبعد ٦٥ كلم عن العاصمة بيروت, و ٢٥  كلم عن مدينة بعلبك، كما تعلو ١٢٠٠م عن سطح البحر. تحتض بلدة “قصرنبا”, معالم أثرية وسياحية عديدة: المعبد الروماني، المقطع وعيون الماء.

المقطع أو المقلع الروماني في بلدة قصرنبا:

سنخرج عن ما هو مألوف, ونبدأ بداية بالتعرف معاً على من كان أساسا في بناء المعبد الروماني “قصر نبأ”,  و”عيون الماء”. وهو المقلع الروماني بمصطلحه الأثاري أو كما يسمّونه أبناء البلدة بالمقطع,  أي منه اقتطعت الحجارة بهدف البناء. يحتل المقطع موقعًا جغرافيًا وسياحيًا بإمتياز يستحق الزيارة, حيث يتموضع في أسفل جبل صنين، مجاورا لسهل البقاع الأخضر، ويبعد عن المعبد الروماني “قصر نبأ” ١٠٠٠ متر.

إن أهمية هذا المعلم يكمن في إستدلالنا  للعناء والتعب والأعمال الشاقة التي تحل ببنائي الأثار, وكيفية نقل الحجارة منه إلى المعبد الروماني”قصر نبا”, حيث تفصل الأخير عن المقطع, وديان وتضاريس.

والجدير ذكره, أن فوق المقطع تقع “المصوّرة”, نسبة لصخرة  منحوتة بهيئة إمرأة جميلة، ويرجّح  أنها زوجة الكاهن “نونايوس”. حيث نحتها عبيد المعبد  بصورة عارية, ووضعوها أمام أعين زوجها نونانيوس, نتيجة معاملته القاسية وظلمه الشديد لهم.

كما تم تكسيرها خلال (السبعينات) من القرن الماضي, -نتيجة الاعمال التخريبية-, من قبل الاشخاص الذين يبحثون عن اللُقى، متوهمين أن في داخلها كنزًا وذهبًا. 

عيون الماء في بلدة قصرنبا

تنقسم عيون الماء وهي معالم سياحية جميلة في بلدة “قصر نبا”  إلى ثلاثة أقسام: عين الفوقى، عين السفلى وعين الحور. كانت عيون الماء بأقسامها الثلاث, مصدر مياه الشفة لساكني البلدة, والمعبد الروماني والعاملين فيه. لكن المؤسف ذكره أن هذه العيون دمرت!

كان من الضروري خلال السبعينات أي أيام الحرب الأهلية, أن يبحث أبناء البلدة عن مصدر لمياه الشرب. فقامت مجموعة من الخيريين بمشروع دون دراسة لرفت البلدة وأبنائها. أدى الأمر إلى  هروب المياه من عين الفوقى, التي تقع من الجهة الجنوبية الغربية لبلدة قصرنبا، والمبنية على الطريقة الرومانية. آما الأن فقد حفر مكانها غرفة للبئر الإرتوازي والأدوات الخاصة بالبئر.

أما عين السفلى -التي هي بداية لوادي البُص-، تقع في الجهة الشمالية من البلدة,  تم تدميرها نتيجة رمي التراب والردميات, وكل ما ينتج عن شق الطريق بالقرب منها.

يذكر أن لا يوجد صورة واقعية للعين الفوقى والسفلى, سنكتفي بالوصف وتخيل معالمها فقط.

تجدد بناء عين الحور بطريقة هندسية جيدة عام ٢٠١٠، التي تقع في منتصف الطريق المؤدي إلى داخل البلدة. يذكر أن أصل تسميتها منسوب إلى  كثافة الأشجار الحور الموجودة في وادي البلدة.

والجدير ذكره, أن الرومان كانوا يملؤون قنواتهم الفخاريه لتزويد المعبد بالمياه, من النبع الذي يقع أعلى من عين الفوقى. حيث تبلغ المسافة بين النبع والمعبد  بين ال ٨٠٠ او ١٠٠٠ متر.

“المعبد الروماني “قصر نبا

في ما أنت تسير إلى داخل البلدة, قاصدًا المعلم الأثري المسيج بشبكات حديدية والمحاوط بأشجار الصنوبر الشامخة، تتجه نظراتك تلقائيًا للقوس المدعم بالصخور المزينة برموز مختلفة، كمزهرية وأسد ونمر، علمًا أن هذا القوس ركبه المهندسان الارمنيان “غالايان” “ومرغليان”, في  الجهة الشرقية للمعبد، بعد أن كان قائمًا فوق أعمدة الأثار الأربعة .الموجودة عند مدخل المعبد, قبل مجيء الزلزال  عام (١٧٥٩)  (زلزال الشرق الأدنى)

في الكورنيش العلوي للقوس، سيلفتك تمثالا لرجلا ملتحيا يدعى نونيانوس هكذا عرفته الكتابة اللاتينية، ويرجح أنه الكاهن الذي بنى المعبد.

ما إن وصلت الى مدخل المعبد، يمكنك  الصعود إليه عبر درج محفور بالصخر (أكثر من ١٠ درجات), يقضي إلى رواق أمامي مؤلف من أربعة أعمدة ودعامتين, ( يذكر أن هذه الأعمدة دمرت خلال الزلزال ١٧٥٩ ولكن أثارها ظاهرة)، ويفضي الرواق الأمامي إلى صحن المعبد, الذي يؤدي عبر درج إلى قدس الأقداس في داخل الأخير مذبح, حيث كانت تقدم القرابيين للآلهة والكهنة الكبار, ويمنع على عامة الناس من الدخول إليه. يقع تحته سرداب كان معدا لحفظ الآواني والمتاع الطقسي, المستخدمة في الطقوس الدينية الخاصة بالمعبد، كما يتم الوصول الى السرداب عبر بوابة صغيرة تقع إلى يمين الدرج.

  والجدير بالذكر, أن قدس الأقداس أعيد ترميمها وبناءها وتصور لها في العام ١٩٦٣ مع المهندسين الأرمنيين مارغليان وغليان ولكن لم يكن دقيقًا كما بواقعه الأساسي

في باحة المعبد الخارجية يوجد  مجسمًا بشكل مستطيل لأعمدة الحكمة وإلتقاء الكهنة, ويرجح أنه مكانًا لجلوس الكاهن عندما يريد إلقاء خطبته., .

أسرار مجهولة داخل بلدة قصرنبا وأثارها

يذكر أن المعبد كان مسقوفا, حيث تتوزع على سطحه سِباع بمثابة مزاريب لمياه الأمطار, أي مياه تجري في مجاري وتخرج من أفواه السباع خارج المعبد.

وكذلك يوجد باحة واسعة بمثابة ملعب للأولاد خلال سنوات متأخرة, لكنها أغلقتت تفاديًا للآذية.

الأهم من ذلك أن في باطن هذه الباحة يوجد نفق سري, يوصل المعبد إلى عين السفلى( ذكرت أعلى المقال), والتي بدورها تقوم بتزويد المعبد وساكنيه بمياه الشفة خلال الحروب وأوقات الحصار, وكذلك يستدلنا إلى أمر خفي, وهو الطبقات الثلاث المؤلف منها المعبد, ولكن لم يكشف بعد إلا عن الطبقة العليا.

وكذلك في محيط المعبد هناك الكثير من الخزانات المحفورة في الارض والمطلية بالكلس. يرجح أن هذه الخزانات كانت بمثابة صهاريج  يوضع داخلها الزيت أو النبيذ بغية تخزينهما، خصوصا أن بلدة قصرنبا مشهورة بزراعة العنب والزيتون لحد الآن.

والجدير ذكره، أن عامة الشعب كانت تدفن في الجهة الجنوبية الغربية للبلدة, والأثرياء في الجهة الشمالية الغربية للبلدة, حيث تبين ذلك بعد أن قامت الحفريات بالتنقيب ,وجدت في الجهة الثانية عقود وأساور ذهبية وناوويس حجرية، وهياكل عظمية في الجهة الأولى والمفاجئ هنا, أنهم وجدوا في جماجم هذه الهياكل مسمار طوله ١٠ سنتم تقريبا.

“روايات عن أصل تسمية  بلدة “قصر نبا

ينادى بإسم “قصر نَبَأ”  نسبة إلى  موقعه كنقطة وسط بين قلعتي “بعلبك” و “عنجر”, وقد يطال أبعد من عنجر أي من شمال البقاع حتى جنوبه. هذا ما جعله محل لتبادل الأخبار والتنبيه عن أي خطر يصيب المنطقة, بواسطة الدخان خلال النهار، وشعلة النار في الليل.

رواية أخرى تروي عن أصل التسمية,  للكاتب والشاعر “يحيى حسين عمار” في كتابه “ تاريخ وادي التيم والأقاليم المجاورة”. نسب الكاتب الإِسمَ إِلى إِسمِ “نَبَا”, قائد جيشِ الملكِ مُنذر إِبْن الْملك النُّعْمّانَ التَّنّوخِيّ مَلِكِ “الحِيرَةَ”, الذي جاء إلى البقاع هربا من والي حلب. وفي البقاع إبتنى قصرًا قريبا من بعلبك أسماه الناس “قصر نبا”.

ويرجح أن كلمة “قصر” العربية, إشتقت من الكلمة اللاتينية التي تعني قلعة, و”نبا” إسم شائع في لبنان وهو من بقايا الأسماء الفينيقية ومعناه الجذر: سما ودعا, وهذا الأمر غير مستبعد وخصوصًا, أن هذا المعبد مبني على دكّة أي بقايا معبد فينيقي.

إذاً, يمكننا القول بأن إسم بلدة قصرنبا عائدا ومتلازما مع إسم المعبد، بغض النظر عما ذْكُره أَنيس فريحَة في كتابِه “مُعجم أَسْماءِ الْمدن والْقُرى اللبنانيّة,  أَنَّ أَصلَ اسْمِها مُشتَقٌ مِنْ قَصْرِ “نَابو”، وَهْوَ اسم إلَه آشورِيٍّ،.

إهتمامات بأثار “قصرنبا”، تعزيز وتطوير

إن تاريخ ثقافة أي بلدة يكمن في أثارها، وإن لم يعزز ويرمم بعد زمن طويل ينتهي التاريخ وتذهب الثقافة معه. لذا إن أهمية  هذا المعلم السياحي “قصر نبا”, يكمن في إستقطابه زيارات عديدة, لا تقتصر على  السياح الأجانب العائدين من قلعة بعلبك فقط، بل أيضا يزروه أهالي بلدة قصرنبا ويتغنوا به وكأنه عروسة بلدتهم، بإلاضافة الى الرحلات التي تنظمها إدارة المدارس الى هذا الاثار لتعزيز ثقافة التاريح لدى التلامذة.

وكذلك الأنشودة الاسلامية بعنوان “إبقى بقربي” التي علا صوت كلماتها في هذا الاثار من قبل كشافة الامام المهدي, وأيضًا الجلسات التصويرية التي تتم في داخل أثار “قصر نبا

وإضافة إلى ما ذكر، وضعت مديرية الآثار هذا المعلم على الخريطة السياحية, وصنفته كأضخم معلم أثري بعد قلعة بعلبك, من حيث إتساعه وطريق بنائه وضخامة حجارته وأسلوب هندسته، وعملت على توسيع مساحة الآثار الخارجية, بالإضافة إلى بعض أعمال الترميم والتنقيب عن مكنوناته عام 1963.

أود في ختام ما ذُكر, أن أنوه عن معلومة قد أخطئوا في نشرها في مقالات سابقة, ونقلا عن المديرية العامة للآثار, أن هذا المعلم الأثري السياحي يدعى ب “قصر نبا”, وليس “بقصر البنات” أو “قلعة العذارى” الموجود في شليفا.

عن إسراء رشعيني

طالبة صحافة، حائزة على شهادة علوم الاعلام من الجامعة اللبنانية. وتتابع دراستها في الإعلام الرقمي-ماستر٢

2 تعليقان

  1. معلومات جميلة جدا😻 سلمت يداك🌹