إبراهيم زيات
هي الزيارة الأولى لي إلى البترون. توجّهت من بيروت صباح يوم أحد مشمس في رحلة لم تستغرق 50 دقيقة حتى وصلت مع مجموعة الأصدقاء وبرفقة مرشدة سياحية إلى المدينة الشمالية.
المحطة الأولى كانت في فرن مرشاق، حيث المنقوشة اللبنانية على الطريقة البترونية. تخبز في فرن للحطب وبعجينة من حجم كبير. هي بالتأكيد من ألذ المناقيش التي قد يتناولها الزائر.
استقلّينا باص النقل الخاص ببلدية البترون والذي صمّم ليجول في أحياء البترون القديمة والضيقة مع العمّ جورج الذي كرّس حياته لنقل زوّار المدينة وتعريفهم على تاريخها.
الأسواق القديمة
كانت هذه محطّتنا الأولى. تتميّز أبنيتها بعقودها المتصالبة والسريرية والمزدوجة (عقد أفكح أو أعرج) من الحجر الرملي البتروني المنشأ، وهي إنجاز طبقة إجتماعية غنيّة من البورجوازيين التجار والصناعيين، وكانت تجمع عدداً كبيراً من الدكاكين والمحال التجارية والخانات والفنادق والمعامل، وفي طبقاتها العليا المنازل.
كاتدرائية مار اسطفان
ومن الأسواق، يتجه الزائر شمالاً نحو كاتدرائية مار اسطفان للموارنة (انتهى بناؤها في مطلع القرن العشرين)، وهي من أكبر وأجمل الكنائس في لبنان، وتُشرف على ميناء الصيادين. وَضع تصميم هذه الكاتدرائية وأشرف على بنائها المهندس المعماري الإيطالي جوزيبي ماجّوري. طراز بنائها مزيج من الفن البيزنطي والفن الروماني مع تأثير من الفن القوطي. تتألف من صحن رئيسي ومن جناحين باتجاه شرقي غربي، ولها ثلاثة مذابح، الرئيسي في الوسط على اسم القديس اسطفانوس والشمالي على اسم قلب يسوع الأقدس والجنوبي على اسم السيّدة مريم العذراء. حجارتها رمليّة بترونية المنشأ. تتصدر الكاتدرائية فوق المذبح الرئيسي لوحة فنية للقديس اسطفانوس من عمل الرسام الإيطالي Giosti.
إقرأ في “أهلا وسهلا”:
٨ أسماء لمناطق لبنانية سياحية من أصل سرياني
كنيسة سيّدة البحر العجائبية
المحطة التالية التي قصدناها هي كنيسة سيّدة البحر العجائبية للروم الأرثوذكس التي تشرف على السور البحري (الفينيقي). مبنية بالحجر الرملي البتروني المنشأ وذات عقد سريري واحد باتجاه شرقي غربي. لا يُعرف تاريخ بنائها، بل توجد فيها أيقونات رسمها بماء الذهب اسحق الأورشليمي سنة 1863.
ليموناضة حلمي
طوال المسير في البترون يلفت نظر الزائر محال الليموناضة المنتشرة في كل حدب وصوب. أما أشهرها فهو “حلمي” الذي يعود تاريخ إنشائه إلى أواسط القرن الماضي، إذ يضمّ معرضاً يحتوي مجموعة من أقدم ماكينات صناعة الليموناضة في العالم. أما الطعم واللذة فهما شيء آخر لا يمكن للكلمات وصفه. فالبترون أصلا مشهورة بمشروب الليموناضة وقد دخلت موسوعة غينيس بأكبر كوب لليموناضة.
وما يميّز ليموناضة البترون تحديداً، طعمها المر إضافة للحلو والحامض. ومرد الطعم المرّ إلى أن “الحامضة” تُعصر مع قشرتها. أما المقادير، فيقول أهل المدينة إنها كانت ولا تزال من أسرار المهنة، “ولو بعرف ما بقلّك”، أو يغمغمون انها “مسألة نَفَس”.
البترون كما كل لبنان. مدينة تحمل شيئاً من حاضر تثقله الهموم والمتاعب وشقاء الحياة وأشياء من تاريخ لبنان العريق من الفينيقيين والرومانيين وصولاً إلى تاريخ أهلها في القرون الماضية الذين صارعوا البحر.
ختاماً، أقول ما قالته المرشدة السياحية مي مروة خلال جولتها معنا في البترون: “حبّوا البترون وحبّوا لبنان”، فلبنان بلد جميل يستحقّ منّا زيارته والتعرف إلى أهلنا الذين تجمعنا بهم هويّة وطن ومصير شعب.